ويبقى أن نشير إلى أنهم يرجحون أن آخر ما نزل هو قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:
281]. وهذا القول يسانده تحديد تاريخي وهو أن الرسول - صلّى الله عليه وسلم - توفي بعدها بتسع ليالي. ثم هي تشير إلى الاستعداد ليوم المعاد والرجوع إلى الله وهو عاقبة الأمور.
لم ينزل القرآن جملة واحدة، وإنما نزل منجما مفرقا على مدار سنوات البعثة النبوية، ولن نحاول مقارنته في هذا بالكتب السماوية الأخرى، كما دأب كثير من الباحثين، فذلك ما لا نعرفه، وليست لدينا الأدلة التاريخية الكافية عن كيفية نزول الكتب السابقة.
وكل ما نعرفه أن طريقة نزول القرآن مفرقا على المواطن والمناسبات ومقتضيات التشريع، كانت مثار اعتراض أعداء الإسلام من الكفار والمشركين وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان: 22، 23]. وقد أنزل القرآن منجما في ثلاث وعشرين سنة منها ثلاث عشرة بمكة، على أرجح الآراء، وعشر سنوات بالمدينة، وقد صرحت آيات كثيرة في القرآن بهذه الكيفية، منها قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ورَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32] ووراء كل ما يأتي به الله حكمة منها ما ندركه بالنص أو بالعقل، ومنها لا ندركه.
ولعل أول أسباب هذه الكيفية الخاصة (التنجيم): تثبيت فؤاد النبي - صلّى الله عليه وسلم - الذي صرح به في الآية كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وذلك لأن في تجديد الوحي وتكرار نزوله، يشرح قلب الرسول بتكرار اتصاله بالله ودوام العلاقة به، وبالإضافة إلى أن في هذه الطريقة تيسيرا عليه في حفظه وفهمه، ومعرفة أحكامه، وحكمه كذلك أن
تنجيمه معجزة تتجدد، تؤكد كونه رسولا من عند الله، ثم بعد ذلك نزول القرآن يثبت فؤاده عن طريق تقويته أمام أعدائه ويهون عليه ما يلاقيه من شدائد عن طريق ما يطمئنه به من وقوفه إلى جواره، وما يوجهه إليه من إرشاد ونصح، من ذلك قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر: 45]. وقوله سبحانه: اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: 48]، وقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: