بحذفها. وقوله تعالى في الشورى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ قرئ (فبما) بفاء قبل الباء وقرئ (بما) بحذف الفاء.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، كقوله تعالى في آل عمران وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا قرئ بتقديم (وقاتلوا) وتأخير (وقتلوا) وقرئ بتقديم (وقتلوا) وتأخير (وقاتلوا). وقوله تعالى في الإسراء وفصلت: وَنَأى بِجانِبِهِ قرئ بتقديم الهمزة على الألف وقرئ بتقديم الألف على الهمزة. وقوله تعالى في المطففين: خِتامُهُ مِسْكٌ قرئ بكسر الخاء وتقديم التاء المفتوحة على الألف وقرئ بفتح الخاء وتقديم الألف على التاء المفتوحة.
السادس: الاختلاف بالإبدال، أي جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى في سورة يونس: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ قرئ (تبلوا) بتاء مفتوحة فباء ساكنة وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقوله تعالى في الشعراء: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ قرئ (وتوكل) بالواو، وقرئ (فتوكل) بالفاء. وقوله تعالى في سورة التكوير: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قرئ بالضاد والطاء.
السابع: الاختلاف في اللهجات: كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل
والتحقيق، والتفخيم والترقيق وهكذا، ويدخل في هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها لغة القبائل وتباينت ألسنتهم في النطق بها نحو: خطوات، بيوت، خفية، زبورا،
شنآن، السحت، الأذن، بالعدوة، بزعمهم، يعزب، يقنط.
وأما الحكمة في إنزال القرآن على هذه الأوجه المختلفة، فهي: أن العرب الذي نزل القرآن بلغتهم، ألسنتهم مختلفة، ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها، فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه، وسجية من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، بحيث لا يمكنه التغاضي عنها ولا العدول إلى غيرها ولو بطريق التعليم والعلاج، خصوصا الشيخ الكبير والمرأة العجوز والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قطّ، كما في حديث الترمذي الآنف الذكر.
فلو كلفهم الله تعالى مخالفة لهجاتهم والعدول عنها لشقّ ذلك عليهم، ولكان ذلك من قبيل التكليف بما لا يدخل تحت الطاقة، فاقتضت رحمة الله تعالى بهذه