الفاضلية بالقاهرة، فتصدر بها للإقراء، وحضر له أهل العلم من كل صوب وحدب ليتلقوا عنه علوم القرآن الكريم، وبهذه المدرسة نظم فيما نعلم أربع قصائد:
الأولى: حرز الأماني، وهي التي نحن بصدد شرحها، اختصر فيها كتاب «التيسير» في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.
الثانية: عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية، اختصر فيها كتاب المقنع للإمام الداني المذكور.
الثالثة: ناظمة الزهر في علم الفواصل- ولنا عليها شرح وجيز نافع- اختصر فيها كتاب البيان في عدّ آي القرآن للإمام الداني أيضا.
الرابعة: قصيدة دالية لخّص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البر.
وكان الشاطبي رضى الله عنه إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن والحديث واللغة، كما كان آية من آيات الله في حدة الذهن وحصافة العقل وقوة الإدراك، ويزين ذلك كله زهد في الدنيا، وورع في الدين، وإقبال على الله تعالى بمختلف العبادات ومتنوع القربات، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وكان يعتل العلة الشديدة ولا يشتكي، فكان مثلا أعلى للصبر والاستسلام لربه والخضوع لحكمه، وإذا سئل عن حاله لا يزيد على أن يقول: «العافية».
توفّي الإمام في يوم 28 جمادى الآخرة سنة 590 هجرية، ودفن بمقبرة القاضي الفاضل بالقرافة الصغرى بسفح جبل المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة، تغمده الله بواسع رحماته، وأفاض علينا من خيراته وبركاته.
أما عن أنزل القرآن على سبعة أحرف وحكمة ذلك: فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» [رواه البخاري ومسلم] .. وعن أبيّ بن كعب أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان عند أضاة (?) بني غفار فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم أتاه الثانية فقال:
إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: «أسأل