ليس توقيفيا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه اصطلاح ارتضاه عثمان رضي الله عنه، وأجمع عليه الصحابة، وتلقّته الأمة بالقبول، فيجب التزامه والأخذ به، ولا تجوز مخالفته. وهذا الرأي هو المنقول عن الأئمة والمذاهب المعتبرة.
روى أبو عمرو الداني، في كتابه (المقنع) عن أشهب قال: سئل مالك رحمه الله تعالى: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال:
لا، إلا على الكتبة الأولى. قال أبو عمرو: ولا مخالف له من علماء الأمة. ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: تحرم مخالفة خطّ مصحف عثمان في واو، أو ألف، أو ياء، أو غير ذلك (?). ونقل عن كتب فقه الشافعية والحنفية: أنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني، لأن رسمه سنة متبعة.
والظاهر أن هذا الرأي هو الأرجح من الآراء، لما فيه من اعتدال، إلى جانب زيادة احتياط لكتاب الله عزّ وجلّ، والحفاظ عليه ضمان لصيانة القرآن من التغيير أو التبديل حتى في الشكل. علما بأن الاصطلاح الإملائي عرضة للتغيير والتبديل، بل إن قواعد الإملاء في العصر الواحد، قد تختلف وجهات النظر فيها وتتفاوت في بعض الكلمات من بلد لآخر، فإذا أبيح كتابة القرآن بالاصطلاح الإملائي لكل عصر، أدّى ذلك إلى التغيير في خطّ المصحف من عصر لآخر، وهذا مما يتنافى مع قداسة القرآن وعظمته في نفوس المؤمنين، ومما قد يؤدّي إلى اختلاف المسلمين في كتاب الله تعالى، ويجرّ إلى فتنة أشبه بالفتنة التي حدثت أيام عثمان رضي الله عنه، وحملته على استنساخ المصاحف. وحجة تيسير قراءة القرآن على الدارسين والعامة لا تبرّر التغيير الذي يمكن أن يؤدي إلى التهاون في تحري الدقة في كتابة القرآن، ثم يجر إلى الفتنة والاختلاف.