وأما صحف حفصة رضي الله عنها، فإنها قد أعيدت إليها بعد تحقيق الغرض منها، ولم تكن في جملة ما أحرق من المصاحف، إذ لا داعي لذلك ولا محذور من بقائها طالما أنها هي العمدة والأصل وليس بينها وبين ما نسخ كبير اختلاف، إلا ما كان من ترتيب السور، وذلك أمر لا خوف منه.
وبقيت تلك الصحف عند حفصة رضي الله عنها حتى توفيت، فأخذها مروان بن الحكم وأحرقها، وقال مدافعا عن تصرّفه: إنما فعلت هذا، لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف الإمام، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب (?). وكان مروان قد حاول أخذها من حفصة رضي الله عنها ليحرقها عام 65 هـ فأبت عليه ذلك.
لقد اختلف في عدد النسخ التي كتبتها اللجنة: فقد قيل إنها خمسة، وقيل إنها أربعة، وقيل إنها سبعة، وأيا ما كان الأمر: فقد ترك عثمان رضي الله عنه واحدة منها لتكون مرجعا لديه في دار الخلافة، وفي المدينة مهبط الوحي ومنزل القرآن وموئل الإسلام، وأرسل بباقيها إلى الأمصار، كل نسخة إلى ناحية، كالكوفة والبصرة والشام، وقيل أيضا: إلى مكة واليمن والبحرين.
ولقد بقيت إحدى هذه النسخ في دمشق، بمسجد بني أمية الكبير حتى القرن الثامن الهجري، حيث يقول ابن كثير في كتابه فضائل القرآن: أما الصحف العثمانية الأئمة، فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقيّ المقصورة المعمورة بذكر الله (?).