أخرج ابن أبي داود في (المصاحف) من طريق أبي قلابة أنه قال: لما كانت خلافة عثمان، جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل، والمعلم يعلّم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلّمين حتى كفّر بعضهم بعضا، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال: أنتم عندي تختلفون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا (?).

وقد تحقّق توقّع عثمان رضي الله عنه، فقد كانت الأمصار أشدّ اختلافا، حتى أفزع اختلافهم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه- كما رأيت في حديث البخاري- فجاء محذّرا عثمان رضي الله عنه أن يتدارك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى.

فهذه الأسباب وتلك العوامل هي التي كانت الحامل لعثمان رضي الله عنه على أن يقوم بما قام به من خدمة لكتاب الله عزّ وجلّ.

قرار عثمان رضي الله عنه وتنفيذه:

لما تضافرت الأسباب لدى عثمان رضي الله عنه، ورأى ما رأى من اختلاف الناس في كتاب الله تعالى، وجاءه حذيفة رضي الله عنه يخبره باختلاف من نأى عنه من الناس في قراءة القرآن وما ينذر به هذا الاختلاف من خطر، أسرع رضي الله عنه لتدارك الموقف، فجمع كبار الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم في الأمر، فأجمعوا أمرهم على استنساخ عدد من المصاحف يرسل بها إلى الأمصار، وأن يؤمر الناس بإحراق كل ما عداها، وألا يعتمدوا على سواها.

وشرع عثمان رضي الله عنه بتنفيذ هذا القرار الذي توصّل إليه مع كبار الصحابة فألّف لجنة من خيرة الصحابة حفظا لكتاب الله تعالى وإتقانا له وضبطا، وهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015