الرقاع وغيرها، مما كتب عليه القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم نسخ ما كتب فيها إلى صفحات مجتمعة، مع مراعاة ترتيب الآيات في السور، حسب توقيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لتكون هذه الصفحات محفوظة في دار الخلافة، مرجعا للمسلمين في معرفة آيات القرآن وسوره، وحفظا لكتاب الله تعالى من الضياع، أو الزيادة أو النقصان.
إنّ السبب الحامل على هذا العمل الذي أمر به أبو بكر رضي الله عنه: هو ما كان من مقتل عدد من قرّاء القرآن وحفّاظه في موقعة اليمامة، التي دارت فيها رحى الحرب بين المسلمين وأهل الردة، من أتباع مسيلمة الكذّاب.
وكان عدد هؤلاء الحفّاظ ينوف على السبعين، من أجلّهم سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه. ولقد هال ذلك المسلمين وأفزعهم، وخافوا على القرآن كتاب الله المنزل من الضياع بموت الحفّاظ ومقتلهم، وكان أشدّهم خوفا وأكثرهم ارتياعا عمر الفاروق رضي الله عنه، الذي هرع إلى أبي بكر رضي الله عنه محذّرا ومنبّها، وأشار عليه أن يتدارك دين الله تعالى، ويأمر بجمع القرآن، ويحفظه بين دفتين، قبل أن يموت أشياخ القرآن والحفّاظ، فيضيع على الناس شيء من كتاب الله عزّ وجلّ.
تردّد أبو بكر رضي الله عنه بادئ الأمر في اقتراح عمر رضي الله عنه، لما كان يأخذ به نفسه من الوقوف عند حدود ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول:
كيف أفعل شيئا ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! ولكن عمر رضي الله عنه ما زال يراجعه في ذلك، ويبيّن له وجه المصلحة بهذا العمل، وأنه يراد به خير الأمة وحفظ الدين، حتى شرح الله تعالى صدره لذلك، وتجلّت له الحكمة وتبيّن وجه المصلحة.