لعدم حاجتهم إلى ذلك، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم ينزل عليه الوحي فيرتّله على مسامعهم، ويكشف لهم عن معانيه وأسراره بوحي من ربّه، وكان الصحابة عربا خلّصا، يتّصفون بقوة الذاكرة وتذوّق البيان وتقدير الأساليب، فأدركوا من علوم القرآن ما لم ندركه نحن، وكانت الأمية متفشية بينهم ووسائل الكتابة بدائية وغير ميسّرة لديهم، ومع ذلك فقد نشطوا في نشر الإسلام وتعاليمه والقرآن وعلومه تلقينا ومشافهة.
ب- عهد التمهيد لكتابة علوم القرآن: إنّ ما تمّ في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه من جمع القرآن في مصحف إمام، ونسخ عدة نسخ منه لإرسالها إلى الأقطار الإسلامية- والذي نفصّل فيه القول في الباب الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى- كان الأساس لما يسمّى «علم رسم القرآن». وفي عهد عليّ رضي الله عنه وضع الأساس لما يسمّى «علم النحو» بعد أن أمر عليّ رضي الله عنه أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض القواعد، لحماية لغة القرآن من العجمة وتفشي اللحن بين الناس.
وفي العهد الأمويّ ساهم عدد من الصحابة والتابعين في وضع الأساس لما يسمّى «علم التفسير» و «علم أسباب النزول» و «علم الناسخ والمنسوخ» و «علم غريب القرآن».
ج- عهد التدوين: وفي هذا العهد ألّفت الكتب في أنواع علوم القرآن، واتّجهت الهمم أول الأمر إلى التفسير باعتباره أمّ العلوم القرآنية، ومن أوائل من كتب في التفسير شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح. وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، ثم تلاهم الطبري المتوفى سنة (310 هـ). وفي علوم القرآن الأخرى كتب علي بن المديني- شيخ البخاري- المتوفى سنة (234 هـ) كتابا في «أسباب النزول» وأبو عبيد القاسم بن سلّام المتوفى سنة