وأخرج النسائي والحاكم من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. ثم قرأ: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا «1» [الإسراء: 105 - 106].
الثالث: تنزل القرآن من بيت العزة في السماء الدنيا على قلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بواسطة جبريل عليه السلام منجما، قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 193 - 195].
تتابع نزول القرآن منجما، فكانت تنزل الآية أو الآيتان أو الآيات في أوقات مختلفة، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106]. ويضاف إلى هذا الدليل القرآني الصريح، أنه قد ثبت ثبوتا قاطعا في السنة والسيرة النبوية أن القرآن لم ينزل على رسول الله جملة واحدة، وإنما نزل مفرّقا خلال مدة بعثته المباركة والتي قدرت بثلاثة وعشرين عاما تقريبا، قال السيوطي في «الإتقان»: الذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها: أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة، خمس آيات وعشرا، وأكثر وأقلّ، وقد صح نزول العشر آيات في قصة الإفك جملة «2»، وصحّ نزول عشر آيات من أول المؤمنون جملة «3»، وصحّ نزول غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء: 95] وحدها «4»، وهي