* فمن أمثلة ما ذكر مفصلا: قصة موسى ويوسف عليهما السلام، وكذلك قصة مريم وولادتها عيسى عليهما السلام، فإن هذه القصص قد ذكرت تفصيلا دقيقا بكل جوانبها، وقد كان هذا التفصيل مقصودا، والغرض منه- على الإجمال- إثبات رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم، إلى جانب أغراض دينية أخرى ذات أهمية وشأن، كتصحيح ما ادعاه أهل الكتاب من بنوة عيسى ابن مريم لله عز وجل.
* ومن أمثلة ما توسط في تفصيله أو اختصر قصة نوح وداود عليهما السلام، وكذلك قصص هود وصالح وزكريا ويحيى عليهم السلام.
* ومن أمثلة ما اقتصر فيه على مشهد من المشاهد أو أكثر قصة أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين، وكذلك قصة نزول آدم عليه السلام إلى الأرض، إذ لم يتحدث القرآن عنها بأكثر من قوله تعالى: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى [طه: 123].
ولهذا المظهر في منهج القصة القرآنية غرض بيّن؛ إذ من شأنه أن يجمع على القارئ شتات ذهنه، ويصرف انتباهه إلى المقصد الأساسي من القصة، فيستطلع الغرض الديني الذي تستهدفه، ولا يغفل عن العبرة والعظة التي سيقت من أجلهما القصة، وبالتالي تنصاع نفسه لما انطوت عليه من هداية وتوجيه.
إن القصة القرآنية: لا تدع القارئ يتفاعل معها وينصرف إليها بكل تفكيره، دون أن تفصل بين حلقاتها بفواصل من العظات والعبر، وتبث في جوانبها النصائح والتوجيهات، أو تحيطها بأطر من الإرشادات التي من شأنها أن تنبه القارئ إلى المقصد الأساسي من قصها، وتكون بمثابة مصابيح هداية يقف أمامها وقفة الفاحص المتأمل، الذي يسبر أغوار الحوادث والأمور، ليفيد منها في حياته وسلوكه.