بعث الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وجعله خاتم النبيين والمرسلين، وأيّده بمعجزات باهرة كان أعظمها وأدومها معجزة القرآن الكريم، تلك المعجزة الخالدة التي كانت معجزة العقل البشري في أرقى تطورات نضجه ونموه، فبينما كان تأييد الله عزّ وجلّ لرسله السابقين بآيات كونية تبهر الأبصار، ولا سبيل للعقل في معارضتها- كمعجزة اليد والعصا لموسى عليه السلام، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام- كانت معجزة محمد صلّى الله عليه وسلّم في عصر مشرف على العلم معجزة عقلية، تحاجّ العقل البشري وتتحداه إلى الأبد، معجزة لها صلة بوظيفة النبوة وأهداف الوحي ومعنى الشريعة، معجزة تدخل في صميم كتاب الرسالة نفسها، وهي هذا الكتاب الذي تطّلع عليه الأجيال في كل زمن، ويتلونه في كل عصر، فيلمسون فيه البرهان العظيم على إعجازه، حيث يرون أن العقل الإنساني- على تقدمه- لم يعجز عن معارضته لأنه آية كونية لا قبل له بها، وإنما لعجز وقصور ذاتي في العقل نفسه، فيكون هذا دليلا واعترافا على أنه وحي الله تعالى، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم صادق في رسالته، لأنه هو الذي بلّغه إلينا عن ربه.
وهذا المعنى هو ما أشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
بقوله: «ما من الأنبياء نبي إلا