وعلى هذا يكون معنى نسخ تلاوة النص: نسخ حكم من أحكامه، وهو رفع الإثابة على ترتيله وصحة الصلاة به، وغير ذلك من وجوه الأحكام للنص القرآني.
أجمع المسلمون على جواز النسخ مطلقا. واستدلّوا على ذلك بالنقل والعقل:
أ- أما النقل: فمنه قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106] ننسها: نمحها من القلوب فهي صريحة بجواز النسخ، بل هي قد نزلت ردّا على الذين طعنوا في الشريعة الإسلامية بوقوع النسخ فيها. وقوله تعالى:
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: 101] والتبديل هو رفع لأصل وإثبات لبدل، وهذا هو معنى النسخ. والآية صريحة في جواز ذلك، بل هي تنكر على من يتهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالكذب بسبب وقوع ذلك في شرعه.
وفي الكتاب والسنة نصوص كثيرة تدلّ على جواز النسخ.
ب- وأما العقل: فهو أن العقل لا يمنع جوازه بل يقتضيه. وذلك لأن الله تعالى يشرّع الأحكام لتحقيق مصالح العباد، ومصالح العباد قد تختلف باختلاف الأزمان، وليس مما يمنعه العقل أن يعلم الله تعالى المصلحة في عمل في زمن من الأزمان ويعلم عدم المصلحة فيه في زمن آخر، وعلم الله تعالى في الحالتين قديم، فيأمر به في الزمن الأول وينهى عنه في الزمن الآخر، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد.
ومما يدلّ على أهمية هذا العلم من علوم الكتاب العزيز، وعظيم شأنه؛ اعتناء