ولم تمض سنتان على وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى كان عمل أبي بكر رضي الله عنه، الذي جمع القرآن في صحف مجتمعة بين دفتين، وحفظ بذلك على الأمة كتابها المنزل، من أن يضيع منه شيء بذهاب الحفظة من الرجال والضابطين من القراء.
ولم يمض على وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسة عشر عاما حتى كان عمل عثمان رضي الله عنه، ذاك العمل المبارك الميمون، الذي جمع الأمّة على كتاب الله تعالى، كتابة وأداء، وقطع من بينها دابر الاختلاف والنزاع في قرآنها، وصان كلام الله المحكم من أي خطأ أو زلل.
وكل ذلك يجري والمسلمون يقفون ذلك الموقف المتشدّد من كتاب الله تعالى، خشية أن يزاد فيه شيء أو ينقص، أو يظن منه ما هو دخيل عليه، فلا يقبلون أن يزاد فيما بين دفتي المصحف ما ليس بقرآن حتى ولو كان رموزا وعلامات، يسترشد بها لقراءة كتاب الله عزّ وجلّ. فهذا ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل يقول: جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء (?). وإنما قال ذلك خشية أن يظنّ الناس ما ليس بقرآن قرآنا.
ولم يمض على وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس وأربعون سنة حتى كان ذلك العمل العظيم، الذي تناول رسم القرآن شكلا ونقطا وتحسينا يساعد على الأداء الصحيح، ويحفظ كتاب الله تعالى من أن يناله تحريف أو تبديل في لفظه أو معناه، حين اضطرت الظروف إلى ذلك، وكثرت العجمة، وفشا اللحن، وأصبح النقط والشكل عندها أمرا لا مناص منه، بل هو شيء مستحبّ ومندوب إليه بعد أن كان مكروها