الطرق، وإنما هي حاصلة من اللهِ فعلَاَ عقيبَ وجود الطرق التي ذكرناها، التي بَعضها كَسْبي؛ كالتأمل والاعتبار، والبحوث، والأفكار، وبعضها تدخل دخول غَلَبة؛ مثل العلم الحاصل عن أخبار التواتر، وما يدخل على العيان، وسائر الحواس، فيُحدِث الله العلمَ عقيبه كما يُحدث الموتَ عقيب الجراح، والجزعَ عند رُؤية الأسد، والمسرة عند تَجددِ الظَّفر، وقُدوم الغائب، وإيلادِ الوَلد، إذ كان القول بالتولد (?) قولًا يُضاهي قول أهلَ الطَّبع (?) الذي قامَ بفساده دليل العقل، وكذبه الشرع. وذلك هو المانعُ لنا من القول بخلقِ الأفعالِ مضافةً إلى غيرِ اللهِ سُبحانه، وكما قامت الدلالةُ بفَساد قولِ أهلِ الطبْع، قامت بفسادِ القولِ بإثباتِ شريكٍ في الخلق.

وإنما أنِس كثير من المُسْتَأْنِسِين بالحواس المحطوطِين عن درجة النظر بجَري العادات، فأضافوا إلى غيرالله ما لا يكون إلا من الله؛ كالولدَ يوجد عند الجماع، والزَرعِ يوجد عن فعل الزرّاع، والموت يوجد عند جَرح الجارح، وذلك أثر وجد عنده وعقيبه لا عَنه، وكذلك وجود الكون عند وجود الجوهر لا مَحالة، وليس بمتولدٍ عنه بما ثبت لله تعالى من دلالة الوحدة في الصنع، وهذا أصل كبير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015