وذلك باب مُتَّسِعٌ، لكنْ فيما ذكرنا كفايةٌ لمن عَقَلَ أنَّ القومَ لم يكُ مِنْ دأبِهم وعادتِهم الإِمساكُ عن أحدٍ في الأحكام الشرعيةِ، ولو سَكَتُوا لأحدٍ يوماً ما، لسكتوا لأفعالِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اعترضوا فيما هو أكبر من ذلك، وهو يوم عُمْرةِ القَضاءِ، فقالوا: أليسَ قد قال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}؟؛ وقد صُدِدْنا، حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: "واللهِ لتَدْخلنَّ" (?)، وقال أبو بكرٍ: أقال لكم: العام؟، فالظاهر مع هذه الحالِ أنَّ سكوتهم موافقةٌ.

وأما ما ذهبَ إليه المعترِض من الحِشْمَةِ والمحاباةِ، فقد انهالَ إلينا في السِّيَرِ من اعتراضاتٍ لبعضهم على بعضٍ ما يَمنَع هذا التأويلَ ويُبعِده عنهم، فمن ذلك: ما روِيَ أن عمرَرضي الله عنه لما نَهى عن المُغالاةِ في صَدَقاتِ النساءِ، اعترَضَتْ عليه امرأةٌ، فقالت: لِمَ تَمْنَعنا ما اعطانا الله، والله سبحانه يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (?) [النساء: 20].

ولمَّا نفى نَصْرَ بن حَجَّاج حيث سمعِ امرأةً تشبِّب بذِكْرِه في شِعْرِها ليلًا، وحَلَقَ وَفْرَتة، قالت له أُمُّه: لِمَ نفَيْتَ ولدي؟ فقال: لأنه يَفتِن نساءَ المسلمين، فقالت: فهل نَفَيْتَه إلى بلاد الشِّرْكِ (?)؟! فهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015