من قِبَلِ كَيْتَ وكَيْتَ، ولأجل كذا، وعلى الآخَرِ: أن يتحرَّى له الموازنةَ في الخطاب، فذلك أسلَمُ للقلوب، وأنفَى لشغلِها عن ترتيب النَّظَرِ، فإن التَطفيفَ في الخطاب يُعمِي القلبَ عن فهم السؤالِ والجواَبِ.
وإن كان أعلى منه: فلْيَتَحر (?) ويَجتَنِبَ القولَ له: هذا خطأٌ، أو غَلَطٌ، وليس كما تقولُ. بل يكونُ قولُه له: أرأيتَ إن قال قائلٌ: يَلزَمُ على ما ذكرتَ كذا، وإن (?) اعترضَ على ما ذكردت مُعترِضٌ بكذا؟. فإن نفوسَ الكرام الرؤساءِ المُقدَّمينَ تأبى خُشونةَ الكلامِ؛ إذ لا عادةَ لهم بذلك، وإذاَ نَفَرتِ النفوسُ، عَمِيَتِ القلوبُ، وجَمَدَتِ الخواطرُ، وانسدتْ أبوابُ الفوائد، فحُرمَ الكل الفوائدَ بسفَهِ السفيهِ، وتقصيرِ الجاهلِ في حقوق الصدورِ.
وقد أدَّبَ اللهُ أنبياءَه [فى خطابهم] (?) للرؤساء من أعدائه، فقال لموسى وهارونَ في حق فِرْعَونَ: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] ,
سمعتُ بعضَ المشايخِ المُقدَمين في علومِ القرآنِ يقولُ: صيغةُ هذا القولِ اللَّيِّنِ في قوله سبحانه: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 17 - 18]، وما ذلك إلا مراعاةً لقلبه؛ حتى لا يَنفِرَ بالقول الخَشِنِ عن فهم الخطاب، فكيف برئيسٍ يُقَدَمُ في العلم، تُطلَبُ فوائدهُ، وُيرجَى الخيرُ منَ إيرادِه، وما تَسْنَحُ به خواطرُه؟ فأحرى بنا أن نُذلِّلَ له العبارةَ، ونُوطَىءَ له جانبَ الجدالِ؛