فتلَ المجيب عن مذهبه فليس سؤالُه بسؤال جدلٍ، وكذلك المجيبَ إذا لم يكن غرضُه فتلَ السائلِ عن مذهبه لم يكُنْ جوابُه جدلًا، ولا بُدَّ من مذهبِ يختلفان فيه، فيكونُ أحدُهما فيه على الإِيجاب والآخرُ على السَّلْب، كاختلاف اثنين في الاستطاعةِ: هل هي قبلَ الفعل أو مع الفعل؟
فإذا تكافأَ الخصمان في القُوَّةِ على الجدل، ثم استعلى أحدُهما على الآخرِ، دَلَّ ذلك على قُوَّةِ المذهب؛ لأنه لا يبقى للرجحانِ وجهٌ من طريق القُوَّة، إذ قد فَرَضْنا تساويهماَ فيها، فلا يبقى للرُّجحان وجهٌ سوى قُوَّةٍ تعودُ إلى المذهب، لأنهما قد استويا فىِ كلِّ شيءٍ إلا أن أحدَهما ينصرُ المذهبَ والآخرَ يَطعُنُ عليه، فلولا تَرجحُ الحال من جهة قوةِ المذهب لأحدهما وضعفِه من جهة الآخَرِ لتكافآ في ذلك، وما ذلك إلا بمثابةِ ميزانٍ سُوِّيَ بين كَفَتَيْهِ، وعُدِّلَ عمودُه، ولم يَبْقَ فيه عَيْن (?) ولا مَيْل، متى وُزِنَ به فرَجَحَ إحدى (?) كفَّتَيْهِ، لم يَبْقَ للرجحان وجهٌ سوى ثِقَلِ الموزونِ الذي رجحَ على المقابِل له، وعلى هذا جميعُ المُتكافِئاتِ لا وجهَ للترجيح بينها، حتى سمعتُ بعضَ الأئمَّةِ في الأصول والحقائقِ يقولُ: لو أَن شعرةٌ بين اثنين يتجاذبانِها، بيد كلِّ واحدٍ طرفٌ منها وقُواهما متكافئة ما انقطعت، ولا ينبغي انقطاعُها إلا إذا كان أحدُهما أرجحَ قُوَّةً.
وقال آخرٌ: لو أن طَبَقاً فيه رُطَبٌ خلقَه اللهُ تعالى متساوياً من كل