وكذلك إن قال: إذا كانت الأعراضُ تدل على حَدَثِ بعضِ الأجسامِ، فما الانفصال من أنها تدل على حَدَثِ جميعها؟ وكذلك إن قال: إذا كانت الدَلالةُ تختصُّ بعضَ الأجسامِ، فما الانفصالُ من أنها تختصُّ الجمادَ دون الحيوان؟

فإن قال السائلُ: إذا كان الباري واحداً، ولم يصح أن يكونَ الجسمُ واحداً، فما الانفصالُ من أن الباري لا يصحُ أن يكون جسماً، كما لم يصح أن يكون أكثرَ من واحدٍ؟ كان هذا إلزاماً بإعطاء المعنى في الجملة؛ لأن الخصمَ يُعطي أنه واحدٌ على الحقيقة.

فإن قال السائلَ: إذا كان الجسمُ لابد له من مجسِّم كما أن الحادثَ لا بدَّ له من مُحْدِثٍ، فما الانفصالُ مِن أن مَن لا يصحُّ أن يكونَ له مُجسِّمٌ، فليس بجسم؟ كان هذا الإِلزامُ يَقْضِيه العقلُ في الجسم بمجسِّم كما يقضي فرب الحادثِ المُحْدِث.

فصل

وكل سؤالِ جَدَلٍ فإنه على خلافٍ في المذهب؛ لأنه لا يصحُّ جَدَلٌ مع الموافقةِ في المذهب،، إلا أن يتكلم الخصمان على طريق المباحثةِ، فيُقَدرا الخلافَ لتصِخَ المطالبةُ، وُيتمكنَ من الزيادة.

وليس على المسؤولِ أن يُجيبَ السائلَ عن كل ما يسألُه عنه، وإنما عليه أن يُجيبَه فيما بينه وبينه فيه خِلاف، لتظهرَ حُجتُه فيه، وسلامتُه من المطاعن عليه، وإلا خَرَجَ عن حدِّ السؤالِ الجَدَليِّ.

وسَبيلُ الجَدَلِ في الفقه والنَحو وغيرِهما من الصنائع كسبيل الجَدَلِ في صنعة الكلامِ في أنه لا يكونُ إلا بعد ظهورِ الخلافِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015