عن أصل ذلك الشيءِ، ولا تطالبُ بوجه دَلالتهِ إلا بعد معرفةِ ماهيَّتِه والمسألةِ عنها.
فأمَّا أخذُ المجيب بطَرْدِ علَّتِه في معلولاتها، فالدليلُ على أنه بعد المطالبةِ بوجه دَلالةِ الَبرهان: أنك (?) لا تصلُ إليه إلا بعد تسليمِ ما ادَّعاه المجيبُ من دلالة البرهانِ على قوله؛ لأنه تفريعٌ للمذهب والعلة، والتفريعُ لا يقعُ إلا بعد تسليم المفرَّع عليه؛ وذلك أنك لا تأخُذ خصمَك بتفريعِ قولٍ، ولا بتفريعٍ عليه إلَا بعد تسليمِ المفرِّعِ لهما، ولو لم تَسَلَمْهُما، لمنَعْتَه ما ادَّعاه من دلالتهما عليه فيهما، وسألتَه البينةَ على صحةِ ما ادَّعاه من دَلالتهما، وهذا يدلُك على أنك إذا أخذتَ خصماً بإجراءِ عِلَلِه في معلولاتها قبل مطالبتِه بوجه دلالتِها على صحَّةِ مذهبهِ، فقد سلمت له ما ادَّعاه من دلالتها عليه، وأخذتَه بإلحاق نظيرهِ المشارِكِ له فيها به، والتسليمُ إذا لم يَقَعْ بحُجَّةٍ فإنما يقِعُ بترك مسألةٍ لازمةٍ يجاوزُ بها إلى ما بعدها: إمَّا لمساهلةٍ في النَظرِ (?)، وإما بضَرْبٍ من التَّدبيرِ على الخصم، وإما للعجز والجهلِ.
ويدلُ على ذلك أيضاً: أنه يطالبُ بتفريع علًةِ المذهب من يعتقدهُ، إذا كان قد خُولِفَ في نظيره.
ويدلُّ عليه أيضاً: أنك تقولُ للمجيب: قد سَلَّمْتُ لك أن علَّتَك توجبُ صحةَ هذا المذهبِ، ولكنها أيضاً توجبُ صحةَ ما آخذُكَ بإلحاقه