وزعموا: أنَّ يعقوبَ جمعَ بين الأختينِ في وقتٍ واحدٍ، وذلك مُحرَّمٌ في شريعةِ موسى.
فهذا نسخٌ واقعٌ، ليس له دافعٌ مِمَّن عرفَ السِّيَرَ، وأَقَرَّ بصحة ما نقلَ عن الأنبياءِ صلواتُ الله عليهم، وما وقعَ لا يمكن جحدُه مذهباً، لكن تكذيباً وجحداً، وذلك يسدّ علينا بابَ المنقولِ في غيرهِ، والمنقولُ لا يردُّ بالآراءِ والمذاهبِ.
ومما يدلُّ في كتابنا على النسخ، وأنه قد وقعَ، [و] يُحْتَجُّ به [على] من خالف في النسخ من أهل الإسلامِ: قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] وهذا وعدٌ بالنسخ، {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، وهذا تصريحٌ بالنسخِ (?) ثم أكد ذلكَ بقوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}
[البقرة: 142]، وهذَا إخبارٌ عن اعتراضهم على النسخِ.
وقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]، ثم ساق وجوهَ ظلمهم، فقال: {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 160 - 161] الآية، وهذا عينُ النسخِ، لأَنه تحريم ما كان مباحاً لهم، إذ لا يجوزُ أن يريدَ به تحريمَ ما كان مُحرَّماً عليهم، إذ لا يقعُ مقابلةً لحادثِ أفعالِهم ما كان سابقاً لأفعالِهم.
فإن قيل: يحتملُ أنهُ حَرَّمَ عليهم بالسمعِ ما كان مباحاً لهم