قأل: من الملائكةِ (?).
والذي يوضّح هذا وأنَّه من الملائكة: قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، وإنما أمرَ الملائكةَ، فلو لم يكن منهم لما دخلَ تحتَ الأمر ولا لحِقَهُ اللَّومُ أو العقوبةُ بامتناعِه، كما لو نادى السلطانُ بإحضارِ الفقهاءِ، فلم يحضرْ شاعرٌ ولا نحوي، فإنه لا يلحقُه على عدم حضوره لَومٌ (?) من جهةِ السلطان. وأمَّا قولهم: إنَّه كانَ مخالف الملائكةِ في كونه من نار وكونه مولوداً لهُ بقوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} [الكهف: 55]، فيجوز أن يكونَ لمّاَ أبلسَه (?) اللهُ غيَّر خَلْقه، كما غيَّر خَلق آدم، بأن يُجعل بحيثُ يبولُ ويَتغوَّطُ بعد أن لم يكنْ، وأولدَ في الأرضِ، ولم يولدْ في الجنةِ، والنارُ والنورُ متقاربانِ.
على أنَّ قوله: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] يجوز أن يكونَ أرادَ به فعله فعلَ الجِنّ، كقولنا: فلانٌ من الملائكةِ، إذا كانَ فعلُه الخيرَ والعفةَ، قال الله تعالى في نسوةِ امرأة العزير {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31]، وإنَّما أردنَ بذلك: أنَّه لما اعتصمَ -مع هذه الشبيبةِ والحُسْنِ- عن زَليخا، مع الحُسنِ والخلوةِ والمراودةِ، كان ذلك من فعلِ الملائكةِ وأخلاقِها، دون أخلاقِ. البشرِ وطباعِهم، كذلك لما ظهرَ مِن إبليسَ وعصيانِه ما ظهرَ [أُضيفَ] (?) إلى الجنِّ.
وقد تتغيرُ أحوالُ الملائكةِ بتغيرِ الأفعال، كما غيرَّاللهُ خلقَ هاروت وماروتَ إلى ما ورد به النقلُ وعلَّموا الناسَ السحر (?).