لحُسن الابتداء بها، فلا يكون استثناءً حقيقةً، لكن يجوزُ تجوزاً وتوسعاً (?) كأنه يقولُ: رأيتُ الناسَ كلهم، وما رأيت حماراً.

ويتضحُ في أبعاض الحيوان، فإذا قال: رأيتُ زيداً إلا يديه. حَسُن ذلك؛ لأنَّ زيداً اسمُ علم على جملةِ تشتملُ على يديه وبقيةِ أعضائِه، فلو أطلقَ لعمتِ الرؤيةُ جميع أعضائِه، فهذا استثناءٌ صحيحٌ حقيقةً، فإذا قال: رأيت زيداً إلا خاتَمه، لم يكنْ ذلك حقيقةً استئناءً؛ لأنَّ إطلاقَ رؤيته لا تقتضي رؤيةَ خاتمه، إذ ليسَ الخاتمُ داخلاً في جملة ما وقع عليه اسمُ زيدٍ.

ومنها: أنَّ ألفاظَ الاستثناءِ: إلا، وغير، وسوى، وأخوات ذلك، لا يصحُ الابتداءُ بها، ولا يُفهم من الابتداءِ بها معنى، فلا بُد أن تقعَ منعطفةً على جملةٍ تتقدمُها، مثل قولِ القائل: دخل الناسُ دارَ الأميرِ إلا التجارَ، فخرج بهذا الحرف من لولاهُ لدخل في الجملةِ المخبَرِ عنهم بالدخولِ، فإذا قال: دخلَ الناسُ كلُّهم دارَ الأميرِ إلا الكلابَ. أو: إلا الحمير. لم يكن لهذا تعلق بالجملة الأولى، وإذا لم يتعلق بالجملة صار كالمبتدىء بقوله: إلا الحمير. ولو ابتدأ بذلك مُبتدىءٌ لما كان متكلماً بمفيد، فلا يكونُ استثناءَ لانتفاءِ الحقيقة عنه (?).

ومنها: أنَّ إلاستثناء: أخذُ ما يُخصّ به اللفظُ العامُ، فلا يصحُ فيما لم يدخل في العمومِ، كالتخصيص بغيرِ حروفِ الاستثناءِ، فإنَّه لو قال: اقتلوا المشركين، ثم جاء النهيُ عن قتل الضفادع، وقطعِ السِّدْرِ لم يُعَد ذلك تخصيصاً، كذلكَ إذا قال: قتلتُ المشركين. أو: دخل المشركون إلا الضفادع.

ومنها: أَنَّ وضعَ العرب للكلامِ وضع إحكام وإتقان، تميزوا به عن سائر الأُمم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015