فيقالُ: إنَّ هذا لا يدلُّ على أنَّ التثنيةَ جمعٌ، وأنَّهما سواءٌ في حقيقةِ الجمِعِ، كالمؤنَّثينَ؛ نقولُ في إخبارهما كما نقولُ في الذكور: فعلنا، ولا يدلُّ على أن جمعَ المؤنَّثِ والمذكرِ سواءٌ، ولا تثنيتُهما سواءٌ.
على أنَّهما إنْ كانا في الإخبارِ عن أنفسِهما سواءٌ، فالإخبارُ عنهما يخالفُ الإخبارَ عن الجماعةِ، فيقالُ: قاما، وقَعدا، وضَربا. ويقالُ في الثلاثةِ: قاموا، وقعدوا، وضربوا.
ويقالُ في الإناثِ: قُمْنَ، وقعدْنَ، وفي الاثنتينِ: قامَتا، وقعدتَا، وأكلَتا، وضربتَا، ويقالُ في الإناثِ: هي، وهما، وهنَّ، وفي الذكور هو وهُما، وهم، فقد تقابلا.
فصل
قال أصحابنا: إذا كان أوّلُ الآية عامَّاً، وآخرُها خاصَّاً، فالعمومُ على عمومِه، والخصوصُ على خصوصِه، ولا يقضى بتخصيصِ أولها لأجلِ تخصيصِ آخرها (?).
قالوا: وذلكَ مثلُ قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والمرادُ به كل الحرائرِ من المطلَّقاتِ؛ بوائنَ أو رجعياتٍ، وقال في آخرها: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [لبقرة: 228]، يرجعُ إلى الرجعياتِ، فالأوَّلُ على عمومِه، والآخرُ خاصٌ في الرجعياتِ، وكذلكَ قولُه تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ} (?) الى قوله {زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 48]، فالكل يأتونَ فُرادى كما خلقَهم، وليسَ كلُهم زعموا أنْ لا موعدَ، فأوَّلُها عامٌ، وآخرُها خاصٌ، وقد أخطأ من أطلَق ذلكَ إطلاقاً مع كونِ المذهبِ حملَ العام على الخاص في الآيتين، فكيفَ لا يمضى بخصوصِ آخرِ الآيةِ على عمومِ أوَّلها، وآخرُها إلى أوَّلها أقرب من آيةٍ أخرى؟