صيغةُ التأكيدِ على اللفظِ المؤكَّد، وتقديمُ الناسخِ (?) على المنسوخِ؛ لأنَّ رفعَ الشيءِ قبلَ وجودِه محالٌ.
ومنها: أنْ قالوا: لو جازَ تخصيصُ العمومِ بدليلِ العقلِ، لجاز النسخُ بدليلِ العقلِ.
ومنها: أنَّه قد ثبتَ أنَ الاستثناءَ كالتخصيصِ من حيثُ إنَ كل واحدٍ منهما يُخرجُ من اللفظِ الجامعِ الشاملِ مالولاه لدخلَ فيه، ثمَّ أجمعنا على أنَ الاستثناءَ لا يجوزُ تقدُّمُه على المستثنى منه، كذلكَ يجبُ أن لا يجوزَ تقدُمُ الخصوصِ على المخصوصِ منه (?).
فصل
في الأجوبةِ لنا عن شُبَههم
أمَّا الأوَّلُ، وقولُهم: دلالةُ العقلِ سابقةٌ. لا يُسلَّم، بل في هذا تفصيلٌ؛ فإنْ كانَ العامُّ كلاماً لله سبحانَه، فإنَّه السابقُ بقِدَمِه وأزليته للعقل (?) ودليلِه، فلا يصحُّ ما ادَّعوه على الإطلاقِ، فبطلت دعواهم في كلامِ الله.
فأمَّا كلامُ غيرِه؛ فإنَّا لا نقولُ: إنَ دليلَ العقلِ خصوص قبلَ وجودِه؛ لأنَّ قولنا خصوصٌ، من باب المتضايفاتِ (?)، فإذا لم يوجد عمومٌ، فلا خصوصَ، فنحنُ لا نسمَّي دلالةَ العقلِ تخصيصاً للعبارةِ قبل حُصولها ووجودِها، وإنَّما نصفه بأنَّه تخصيصٌ بعدَ وجودِ العبارةِ، وهذا حكمُ الدلائلِ، وأنَّها تارةً تتقدَمُ فتدل على ما يكونُ في الثاني، وتارةً تتأخّرُ فتدلّ على أمرٍ كان.