* فصل: من أدلتنا أن للعموم تأكيدا وللخصوص تأكيدا

لما صار مُجيباً بكلِّ واحدٍ من الجنسِ؛ لجوازِ أن يكونَ المسؤولُ عنه غيرَ الذي أجابَ به.

ألا ترى أنَه لو أجابَه بواحدٍ من جنسِ البهائمِ لما كان مجيباً له، لمّا لم يك داخلاً تحت السؤال بحرف (مَن).

قالوا: إنما حَسُن ذلك؛ لأنَّ اللفظَ يَصلُحُ لكلِّ واحدٍ منهم (?) لا لأنَّ اللفظَ شاملٌ لهم من طريقِ الاقتضاءِ.

قيلَ: اللفظُ يصلحُ لما أجابَ به ولغيرِه، فيجبُ أن لا يصح الجوابُ حتى نعلَم مرادَ السائلِ.

يدلُّ عليه: أنه لو قالَ: من دخلَ الدارَ فله درهمٌ، أو من ردَّ عبدي الآبقَ فله درهمٌ. يستحقّ كل من وجدَ ذلكَ منه العطاءَ، فدلَّ على أنَ اللفظَ يقتضي الكل.

ومن أدلتِنا: أنَ للعمومِ تأكيداً، وللخصوص تأكيداً، وقد اتفقنا على أنَّ تأكيدَهما يختلفُ في أصل الوضعِ، لا بقصدِ ولا إرادةٍ، لاختلافهِما، فكذلكَ يجبُ أن يكونَ أصلُ المؤكَدهين اللذين أحدُهما عام، والآخرُ خاصّ مختلفَينِ في أصل الوضعِ، لا بالقصدِ إلى ذلكَ، ولا بالإرادة له، وقد ثبتَ أنَّ في حق التأكيدِ أن يكونَ كقول المؤكَّد ومطابقاً لمعناه، ومتى لم يكن كذلكَ خرج عن كونه تأكيداً.

والذي يوضحُ ذلكَ من المثالِ: أنَّ القائلَ لو قالَ: ضربتُ زيداً كلهم أجمعينَ أكْتَعين (?)، أو أكرمتُ عَمْراً أجمعَين كلَّهم سائرهم. لم يكن قولاً صحيحاً في اللغةِ، و [كان] (?) خارجاً عن قانونِها، ولا يجوزُ أن يقولَ: ضربتُ القومَ أو الرجالَ نفسَه أو عَينه. وإنما القولُ الجائرُ في ذلكَ، المسموعِ من أهلِ اللغةِ: ضربتُ زَيداً نفسَه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015