ولئن كان من طريقٍ الآحادِ؛ فليس ذلك صالحاً لإثباتِ الأصولِ، لكونِ الآحاد توجبُ الظنَّ، فلا تثبتُ بها إلا الأحكامُ في مسائلِ الفروعِ خاصةً.
فيقالُ: بل أثبتناه بما رويناه عن ساداتِ الصحابةِ وأهل اللغة، وليس بتواترِ قطعي، ولا هذه الأصولُ قطعيةٌ، بل هي مسائلُ اجتهادية يسوغُ فيها الخلافُ، ولذلك لم يُفَسق المخالفُ فيها، ولا يُكَفر، وإنما يُخَطَّأ كما يُخَطأ في الفروعِ. على أنه يقلَبُ عليكم، فيقالُ في جميع هذهِ المسائل: كيف ذهبتم إليها وليس طريقُها العقل ولا نقْلُها تواتر؟ إذ لو كان تواتراً لما وقعَ الخلافُ، فكل جوابٍ لكم، وكُلُّ مخالف لنا فيها هو جوابُنا، وليس إلا ظواهرُ الاستعمالِ بالنقلِ الذي ظاهرُه الصحةُ والسلامةُ، وجماعةُ العُلماء يقبلونَ في أصولِ اللغةِ روايةَ الواحدِ، كالأصمعي (?)، والخليل (?)، وأبي زيد (?)، وأبي عبيدة (?) وأمثالِهم، ولا يُستقصى في النقلِ إلى الحدّ الموجبِ للقطع.
ومنها: أن قالوا: لو كان تعليقُ الحكمِ على الصفةِ موجباً لنفيه عما عداها، لوجَب أن لا يحسُنَ الاستفهامُ، فلما حَسُنَ استفهامُ من قيل له: إذا قتلت الصيدَ عمداً فعليكَ الجزاءُ، وإذا كانت لك غنمٌ سائمة فعليك الزكاةُ في الأربعينَ منها، ولا تَقْتل