ولذلك صمَّمَ على العلمِ به، وإزهاقُ النفس لا يقدِمُ عليه نبيٌ إلا بوحيٍ، وقد بأنَ بالنَّسخِ أنَّهُ لم يُرِدِ الذبحَ، فهذا أمرٌ لم يصدرْ عن إرادةٍ (?).
فصل
يجمعُ الأسئلةَ على هذهِ الآيةِ، وهي عُمْدَة لأهلِ السنَةِ في هذهِ المسألةِ وفي أصولَ الدياناتِ: فمنها قولُهم: إنها لا تُعطي صيغةَ الأمرِ مِن قولِ إبراهيمَ، ولا ولدِه، لأنَ قولَ إبراهيمَ: {إِنِّي أَرَى}، ولم يقلْ: رأيتُ أنِّي أذبحُك.
ولم يقلْ: أمِرتُ أنْ أذبحَك، وقولُ الذبيحِ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، ولم يَقُلْ: ما أُمرتَ، و {تُؤْمَرُ} لفظُ الاستقبالِ.
ومنها: أنهُ لو كانَ قد أمِرَ، لكان الأمرُ بمقدماتِ الذبح، من أخْذِ المُدْيَةِ، والتَلِّ للجبين، وأُبهِمَتْ عاقبةُ ذلك عليه، فكان بلاءً مبيناً، حيثُ شهِدَتْ الأمَارات المأمورُ بها بأنْ سيكون الأمرُ بالذبحِ بعد الأمرِ بالمقدّماتِ.
ومنها أن قالوا: قد رُوِي أنَّهُ فَعَلَ الذبحَ، لكنْ كانَ إبراهيمُ كُلما قَطَعَ جُزءاً أو عِرقاً التَحَمَ بأمرِ اللهِ، وُيوضِّح هذا أنَه سُمِّيَ الولدُ ذبيحاً، وحقيقةُ الذبيحِ مَنْ حَلَّ الذبحُ فيه، كما أن حقيقةَ اسم قتيل، مَن حَل القتلُ فيه.
قالوا: ويُوضِّحُ هذا قولُه سبحانه: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104 - 105}، ولا يكونُ مُصَدِّقاً إلا بإيقاعِ الذبحِ.