فيصير لا له ولا عليه.
وإما أن عمله لله تعالى خالصاً ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط.
وقد يقال: إنه لا يعود إليه بل يستأنف العمل.
والمسألة مبنية على أصل، وهو أن الردة هل تحبط العمل بمجردها أو لا يحبطه إلا الموت عليها؟ فيه للعلماء قولان مشهوران وهما روايتان عن الإمام أحمد رضى الله عنه.
فإن قلنا تحبط العمل بنفسها فمتى أستلم استأنف العمل وبطل ما كان قد عمل قبل الاسلام.
وإن قلنا لا يحبط العمل إلا إذا مات مرتداً، فمتى عاد إلى الاسلام عاد إليه ثواب عمله.
وهكذا العبد إذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود إليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة؟ يخرج على هذا الاصل.
ولم يزل في نفسي من هذه المسألة: ولم أزل حريصاً على الصواب فيها وما رأيت أحداً شفي فيها، والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم وبه المستعان ولا قوة إلا به ـ ان الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوبين ويكون الحكم له حتى كان المغلوب لم يكن، فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته، ومتى تاب من السيئة ترتبت على توبته منها حسنات كثيره قد تربى وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة، فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن، فإن التائب من الذنب لا ذنب له.
وقد سأل حكيم بن حزام رضى الله عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك: هل يثاب عليه؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلمت على ما أسلفت من خير فهذا يقتضي أن الاسلام أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك، فلما تاب من الشرك عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة.
فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحاً صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته، يوضح هذا أن السيئات هي أمراض قلبية، كما أن الحمى والاوجاع وأمراض بدنية، والمريض إذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته وأفضل منها حتى كأنه لم يضعف قط.