خفت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الغم والهم، يوضحه.

(الستون)

أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل، إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه، حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له، والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس قد جرب هذا وهذا.

والله المستعان.

(الحادية والستون)

أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعه وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً، وقد علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك وقال: إنه خير لكما من خادم فقيل أن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يذكر أثراً في هذا الباب ويقول: إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوا حملوه.

حتى رأيت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال: حدثنا مشيختنا أنه بلغهم أن أول ما خلق الله عز وجل ـ حين كان عرشه على الماء ـ حملة العرش، قالوا: ربنا لم خلقتنا؟ قال: خلقتكم لحمل عرشي.

قالوا: ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: لذلك خلقتكم.

فأعادوا عليه ذلك مراراً فقال لهم: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فحملوه.

وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، والدخول على الملوك، ومن يخاف، وركوب الأهوال.

ولها أيضاً تأثير في دفع الفقر، كما روى ابن أبي الدنيا عن الليث بن معاوية بن صالح عن أسد بن وداعة رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة في كل يوم لم يصبه فقر أبداً» وكان حبيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015