أطيب من ريح المسك يوم القيامة.
لم يكن التركيب فاسداً، كأنه قال يمسون وهذا لهم يوم القيامة.
وأما قوله لخلوف فم الصائم حين يخلف فهذا الظرف تحقيق للمبتدأ أو تأكيد له وبيان إرادة الحقيقة المفهومة منه لا مجازة ولا استعارته، وهذا كما تقول: جهاد المؤمن حين يجاهد وصلاته حين يصلي يجزيه الله تعالى بها يوم القيامة ويرفع بها درجته يوم القيامة، وهذا قريب من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» وليس المراد تقييد نفي الإيمان المطلق عنه حالة مباشرة تلك الأفعال فقط بحيث إذا كملت مباشرته وانقطع فعله عاد إليه الإيمان، بل هذا النفي مستمر إلى حين التوبة، وإلا فما دام مصراً وإن لم يباشر الفعل فالنفي لاحق به ولا يزول عنه اسم الذنب والأحكام المترتبة على المباشرة إلا بالتوبة النصوح والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفصل النزاع في المسألة أن يقال: حيث أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر، فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم، وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى، وبالعكس، فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم، والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.
وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل ويتزايد حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة.
قال ابن عباس: أن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق.
وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق، وقال عثمان بن عفان: ما عمل رجل عملاً إلا ألبسه الله رداءه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وهذا أمر معلوم يشترك فيه وفي العلم به أصحاب البصائر وغيرهم، حتى إن الرجل الطيب البر لتشم منه رائحة طيبة وإن لم يمس طيباً، فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه.
والفاجر بالعكس.
والمزكوم الذي أصابه