المكر وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وبر الوالدين، فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحاً صالحاً من التوحيد وركب فيه أسناناً من الأوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به فلم يعقه عن الفتح عائق، اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار، فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها، وان لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده فلا بد من دخول النار ليخرج خبثة فيها ويتطهر من درنه ووسخه، ثم يخرج منها فيدخل الجنة فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب.
قال سبحانه وتعالى {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة} وقال تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول أي بسبب طيبكم قيل لكم ادخلوها.
وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث.
ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض.
وقوله في الحديث «وأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت» الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان.
(احدهما) التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى (الثاني) التفات البصر وكلاهما منهي عنه.
ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه.
وقد سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التفات الرجل في صلاته فقال «