يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما} وخطب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه يوماً، فلما كانت الشمس على روؤس الجبال وذلك عند الغروب قال: «إنه لم يبقى من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه» فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث، وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي في الدنيا بأسرها، ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلام، وأنه قد باع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئاً، ولو طلب الله تعالى والدار الآخرة لأعطاه ذلك الحظ موفوراً وأكمل منه، كما في بعض الآثار: ابن آدم بع الدنيا بالآخرة تربحهما جميعاً، ولا تبع الآخرة بالدنيا تخسرهما جميعاً.
وقال بعض السلف: ابن آدم، أنت محتاج إلى نصيبك من أحوج.
فإن بدأت بنصيبك من الدنيا أضعت نصيبك من الآخرة وكنت من نصيب الدنيا على خطر، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة فزت بنصيبك من الدنيا فانتظمته انتظاماً.
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في خطبته: أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى.
وإن لكم معاداً يجمعكم الله عز وجل فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم، فخاب وشقي عبد أخرجه الله عز وجل من رحمته التي وسعت كل شيء، وجنته التي عرضها السموات والأرض.
وإنما يكون الأمان غداً لمن خاف الله تعالى واتقى، وباع قليلاً بكثير، وفانياً بباق، وشقاوة بسعادة.
ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين، وسيخلفه بعدكم الباقون؟ ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غادياً رائحاً إلى الله قد قضى نحبه، وانقطع أمله، فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب؟
والمقصود أن الله عز وجل قد أمد العبد في هذه المدة اليسيرة بالجنود والعدد والأمداد، وبين له بماذا يحرز نفسه من عدوه، وبماذا يفتك نفسه إذا أسر.