مقصود الصلاة ولا يحصل المراد منها، فمن فقه الرجل في عبادته أن يقبل على شغله فيعمله، ثم يفرغ قلبه للصلاة فيقوم فيها وقد فرغ قلبه لله تعالى ونصب وجهه له وأقبل بكليته عليه، فركعتان من هذه الصلاة يغفر للمصلي بهما ما تقدم من ذنبه.

والمقصود أن لا يترخص ترخصاً جافياً.

ومن ذلك أنه أرخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين عند العذر وتعذر فعل كل صلاة في وقتها لمواصلة السير وتعذر النزول أو تعسيره عليه، فإذا قام في المنزل اليومين والثلاثة أو أقام اليوم فجمعه بين الصلاتين لا موجب له لتمكنه من فعل كل صلاة في وقتها من غير مشقة، فالجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد، بل الجمع رخصة، والقصر سنة راتبة، فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن، وأما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة، فهذا لون وهذا لون.

ومن هذا أن الشبع في الأكل رخصة غير محرمة فلا ينبغي أن يجفو العبد فيها حتى يصل به الشبع إلى حد التخمة والامتلاء فيتطلب ما يصرف به الطعام فيكون همه بطنه قبل الأكل وبعده، بل ينبغي للعبد أن يجوع ويشبع ويدع الطعام وهو يشتهيه، وميزان ذلك قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» ولا يجعل الثلاثة الأثلاث كلها للطعام وحده.

وأما تعريض الأمر والنهي للتشديد الغالي فهو كمن يتوسوس في الوضوء متغالياً فيه حتى يفوت الوقت، أو يردد تكبيرة الأحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة، أو يتشدد في الورع الغالي حتى لا يأكل شيئاً من طعام عامة المسلمين خشية دخول الشبهات عليه.

ولقد دخل هذا الورع الفاسد على بعض العباد الذين نقص حظهم من العلم حتى امتنع أن يأكل شيئاً من بلاد الاسلام وكان يتقوت بما يحمل إليه من بلاد النصارى ويبعث بالقصد لتحصيل ذلك، فأوقعه الجهل المفرط والغلو الزائد في إساءة الظن بالمسلمين وحسن الظن بالنصارى نعوذ بالله من الخذلان.

فحقيقة التعظيم للامر والنهي أن لا يعارضا بترخص جاف، ولا يعرضا لتشديد غال.

فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل بسالكه، وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصير وتفريط، وإما افراط وغلو.

فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين، فإنه يأتي إلى قلب العبد فيستامه، فإن وجد فيه فتوراً وتوانياً وترخيصاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015