وَإِذا غلبت الرطوبات عَلَيْهَا أطفأتها وغمرتها وحالت بَينهَا وَبَين أفعالها وعاقتها عَنْهَا فَكَانَ والنحافة وَالسمن وَإِن كَانَا جَمِيعًا قد خرجا عَن الإعتدال فأحدهما وَهُوَ النحافة خُرُوجه عَن الِاعْتِدَال بإفراط الْحَرَارَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْفَضَائِل وَهِي أولى بهَا من اطرف الْأُخَر الَّذِي ضدها اعني السّمن الَّذِي هُوَ خُرُوج عَن الِاعْتِدَال إِلَى جَانب الْبرد وَعدم الْحَرَارَة الْمُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانهَا وزوالها. وَقد تبين فِي كتاب الْأَخْلَاق أَن أَطْرَاف الْفَضَائِل كلهَا مذمومة وَلَكِن بَعْضهَا أقرب إِلَى الْمَدْح. وَإِن كَانَ الْبعد من الْوسط فيهمَا وَاحِدًا كَانَ الِاعْتِدَال الممدوح بالجود والسخاء لَهُ طرفان أَحدهمَا الْبُخْل وَالْآخر التبذير وهما جَمِيعًا مذمومان وخارجان من الِاعْتِدَال إِلَّا أَن أحد الطَّرفَيْنِ وَهُوَ التبذير أشبه بالجود من الطّرف الآخر لِأَن أحد الطَّرفَيْنِ بالإمعان يتَأَدَّى إِلَى بطلَان الشَّيْء الممدوح وَعَدَمه وَالْآخر يتَأَدَّى إِلَى الزِّيَادَة فِيهِ بالإفراط. ولعمري إنَّهُمَا فِي فقد الِاعْتِدَال سَوَاء وَلَكِن أَحدهمَا أشبه بِهِ من الآخر. وَهَذَا هُوَ مَوضِع لَا يدْفع وَلَا يُنكر.
(مَسْأَلَة طبيعية لم كَانَ الْقصير أَخبث والطويل أهوج.)