الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن اتِّصَال النَّفس بِالْبدنِ ووجودها فِيهِ أَلْفَاظ متسع فِيهَا. وَالْأولَى أَن يُقَال: ظُهُور أثر النَّفس فِي الْبدن على قدر استعداد الْبدن وقبوله إِيَّاه. وَإِنَّمَا تحرزنا من تِلْكَ الْأَلْفَاظ لِأَنَّهَا توهم أَن لَهَا اتِّصَالًا عرضياً أَو جسمياً وكلا هذَيْن غير مُطلق على النَّفس. وَالْأَشْبَه إِذا عبرنا عَن هَذَا الْمَعْنى أَن تَقول: إِن النَّفس جَوْهَر بسيط إِذا حضر مزاج مستعد لِأَن يقبل لَهُ أثرا كَانَ ظهورك ذَلِك الْأَثر على حسب ذَلِك الاستعداد لنسلم بِهَذِهِ الْعبارَة من ظن من زعم أَن النَّفس تتقلب وَتفعل أفعالها على سَبِيل الْقَصْد وَالِاخْتِيَار أَعنِي أَنَّهَا تفعل فِي حَال وتمنع فِي أُخْرَى فَإِن هَذَا يجلب كثيرا من الشكوك الَّتِي لَا تلِيق بخصائص النَّفس وأفعالها. وَإِذ قد تحققت هَذِه الْعبارَة فَنَقُول: إِن النُّطْفَة الَّتِي يكون مِنْهَا الْجَنِين إِذا حصلت فِي الرَّحِم الْمُوَافق كَانَ أول مَا يظْهر فِيهِ من أثر الطبيعة مَا يظْهر مثله فِي الْأَشْيَاء المعدنية. أَعنِي أَن الْحَرَارَة اللطيفة تنضجه وتمخضه وتعطيه - إِذا امتزج بِالْمَاءِ الَّذِي يُوَافقهُ من شَهْوَة الْأُنْثَى - صُورَة مركبة كَمَا يكون ذَلِك فِي اللَّبن إِذا مزج بالإنفحة. أَعنِي أَنه يثخن ويخثر ثمَّ تلج عَلَيْهِ الْحَرَارَة حَتَّى يصير ملوناً بالجمرة فَيصير مُضْغَة ثمَّ يستعد بعد لقبُول أثر آخر: أَعنِي أَن المضغة تستمد الْغذَاء وتتصل بهَا عروق كعروق الشّجر والنبات فَيَأْخُذ من رحم أمه بِتِلْكَ الْعُرُوق مَا