(مَسْأَلَة مَا الْمَعْدُوم وَكَيف الْبَحْث عَنهُ)
وَمَا فَائِدَة الِاخْتِلَاف فِيهِ وَمَا الَّذِي أَطَالَ المتكلمون الْكَلَام فِي اسْمه وَمَعْنَاهُ وَهل لقَولهم محصول فَإِنِّي مَا رَأَيْت مَسْأَلَة لَا تمكن من نَفسهَا غَيرهَا. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: إِن الْمَعْدُوم الَّذِي يُشِير إِلَيْهِ المتكلمون خَاصَّة هُوَ مَوْجُود بِوَجْه من الْوُجُوه وَلذَلِك صحت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَالْكَلَام عَلَيْهِ. وَتلك الصُّورَة لَهُ فِي الْوَهم هِيَ وجود مَاله. وَكَذَلِكَ حَال كل مَا يتوهمونه مَعْدُوما من جسم أَو عرض أَو حَال لَا مَعْدُومَة بل ملحوظة. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنا لَا نتوهم شَيْئا مَعْدُوما إِلَّا نتصور لَهُ حَالا قد وجد فِيهَا أَو يُوجد فِيهَا وَصورته تِلْكَ قَائِمَة فِي وهمنا وَهِي وجود مَا. فَأَما الْمَعْدُوم الْمُطلق الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى شخص مَا وَلَا إِلَى عرض فِيهِ وَحَال لَهُ فَإِنَّهُ لَا يضْبط بوهم وَلَا يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَلَا تصح مَسْأَلَة أحد عَنهُ لِأَنَّهُ لَا شَيْء على الْإِطْلَاق. وَإِنَّمَا تصح الْمَسْأَلَة عَن شَيْء ثمَّ تعرض لَهُ أَحْوَال إِمَّا حَاضِرَة فِيهِ أَو منتظرة لَهُ وَلذَلِك زعم أَكثر الْمُتَكَلِّمين أَن الْمَعْدُوم هُوَ شَيْء وَزعم بَعضهم أَنه لَا شَيْء أَعنِي أَنهم لَا يسمونه بِشَيْء.