وَإِذا اشْتبهَ الْأَمر هَذَا الِاشْتِبَاه كَيفَ نخلص إِلَى مَا يرفع الريب وَيُؤَيّد الْيَقِين فقد رَأَيْت ورأينا نَاسا اخْتلفت بهم أَحْوَال وتقلبت عَلَيْهِم أُمُور بِتَصْدِيق هَذَا الْبَاب وتكذيبه. وأطرف مَا رأى فِيهِ حلاوة الحَدِيث وخلا بِهِ المتحدث بِذكرِهِ وميل النُّفُوس إِلَيْهِ حَتَّى إِن المكذب ليفرغ لَهُ باله ويصغي أُذُنه ويخلي ذهنه من غير أَن يحلى بطائل أَو يحظى بنائل. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: أما سَبَب طلب النَّاس الكيمياء فَظَاهر بَين وَهُوَ أَنهم حريصون على جَمِيع المتع والشهوات الْمُخْتَلفَة فِي المأكل وَالْمشْرَب والمنكح والنزه الَّتِي تقتسم بَين الْحَواس. ومحبة الاستكثار والاستبداد والنهم على الْجمع والادخار شَيْء فِي الطبيعة. وَلَيْسَ يُوصل إِلَى جَمِيع ذَلِك إِلَّا بِالذَّهَب وَالْفِضَّة لِأَنَّهُمَا بِإِزَاءِ جَمِيع المآرب على اختلافها. وكل إِنْسَان يعلم أَنه مَتى حصلهما أَو وَاحِدًا مِنْهُمَا فقد حصل جَمِيع المآرب على كثرتها مَتى هم بهَا وَأَرَادَهَا. وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يعدها ذخْرا لوَلَده ولأوقات شدته الَّتِي تلْحقهُ من فجائع الدُّنْيَا ومحنها. فبهذين الحجرين يتَوَصَّل إِلَى جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ وَيدْفَع جَمِيع الشَّرّ والمحن أَيْضا بهما. فَهَذَا سَبَب طلب النَّاس لَهما وحرصهم عَلَيْهِمَا. وَلَيْسَ يُوصل إِلَيْهِمَا إِلَّا بالمخاطرات الْكَثِيرَة وركوب الْأَهْوَال وتجشم الْأَعْمَال الصعبة وَغير ذَلِك. ثمَّ هما معرضان للآفات والمتسلطين وَأهل العيث وهما من هَذِه الْجِهَة