لحق نَفسه من الْعَارِض قريب مِمَّا يلْحق الْمُتَكَلّم لِأَنَّهُ يخشي من وُقُوع أَمر قَبِيح مِنْهُ أَو كَلَام يعاب عَلَيْهِ مثل مَا يخشاه الْمُتَكَلّم. وَقد كُنَّا أومأنا فِيمَا سبق إِلَى أَن النَّفس وَاحِدَة وَإِنَّمَا تتكثر بالمواد. وَلَوْلَا ذَلِك لما كَانَ لأحد سَبِيل إِلَى أَن ينْقل مَا فِي نَفسه إِلَى نفس غَيره بالإفهام وَفِيمَا مر من ذَلِك فِيمَا مضى كِفَايَة لِأَن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا هُوَ أَن يظْهر أَن الْقَبِيح الَّذِي يخْتَص بزيد يعم عمرا أَيْضا من جِهَة وَإِن كَانَ عَمْرو غَرِيبا من زيد فَكيف إِذا ضمه وإياه سَبَب أَو نسب. وَلَيْسَ يحْتَاج أَن ينْفَصل من المنظور إِلَى النَّاظر شَيْء لِأَن أَفعَال النَّفس وآثارها لَا تكون على هَذِه الطَّرِيقَة الحسية والجسمية لَا سِيمَا واستشعار كل وَاحِد من الْمُتَكَلّم وَالسَّامِع استشعار وَاحِد فِي تخوف الْقَبِيح والحذر من الزلل وَالْخَطَأ فَإِن هَذَا الاستشعار يعرض مِنْهُ الْحيَاء والخجل كَمَا قُلْنَا. وَمَتى غلب على ظن السَّامع أَن الْمُتَكَلّم يسيء ويزيغ صَار خَوفه وحذره يَقِينا أَو شَبِيها بِالْيَقِينِ فَعظم الْعَارِض لَهُ من الْحيَاء حَتَّى يلْحقهُ مَا ذكرت من الْحَرَكَة المضطربة. وَكَذَلِكَ حَال الْمُتَكَلّم إِذا لم يَثِق بِنَفسِهِ أَو لم تكن لَهُ عَادَة بِالْوُقُوفِ فِي ذَلِك الْمقَام وَالْكَلَام فِيهِ فَإِن حذره يشْتَد وحياءه يكثر وَبِزِيَادَة الْحيَاء يزْدَاد الِاضْطِرَاب وَيمْتَنع الْقدر من الْكَلَام الَّذِي تسمح بِهِ النَّفس عِنْد توفر قوتها واجتماع بالها وَسُكُون جأشها وهدوء حركتها.