يرجع إِلَيْهَا من أدنى كشف وَبَيَان فَنَقُول: إِن النَّاس لما اخْتلف نظرهم بِحَسب جزئهم: فناظر إِلَى الطبيعة وناظر إِلَى الْعقل وناظر فيهمَا مَعًا - اخْتلفت مقاصدهم وَصَارَت أفعالهم تِلْقَاء نظرهم. وَقد علم أَن النَّاظر فِي أحد جزأيه دون الآخر مخطىء لِأَنَّهُ مركب مِنْهُمَا مَعًا والناظر فيهمَا مُصِيب إِذا قسط لكل وَاحِد مِنْهُمَا قسطاً من نظره وَجعل لَهُ نَصِيبا من سَعْيه على قدر اسْتِحْقَاق كل وَاحِد مِنْهُمَا ويحسب رتبته من الشّرف والضعة. أما الناظرون بِحَسب الْجُزْء الطبيعي فَإِنَّهُم انحطوا فِي جَانب الطبيعة وَانْصَرفُوا بِجَمِيعِ قوتهم إِلَيْهَا وَجعلُوا غايتهم القصوى عِنْدهَا وَلذَلِك جعلُوا الْعقل آلَة فِي تَحْصِيل أَسبَابهَا وحاجاتهم فاستعبدوا أشرف جزأيهم لأخسهما كمن يستخدم الْملك عَبده. وَأما الناظرون بِحَسب الْجُزْء الْعقلِيّ فَإِنَّهُم أغفلوا النّظر فِي أحد جزأيهم الَّذِي هُوَ طبيعي لَهُم ونظروا نظرا إلهياً فطمعوا - وهم نَاس مركبون - أَن ينفردوا بفضيلة الْعقل غير مشوب بِنَقص الطبيعة فاضطروا لأجل ذَلِك إِلَى إهمال الْجَسَد وَهُوَ مقرون بهم والضرورة تَدْعُو إِلَى مقيماته من الْمصَالح أَو إِلَى إزاحة علته فِي حاجاته وَهِي كَثِيرَة فظلموا أنفسهم وظلموا أَبنَاء جنسهم. أما ظلمهم لأَنْفُسِهِمْ فتركوا النّظر لأحد قسميهم الَّذِي بِهِ قوامهم حَتَّى التمسوا مصالحها بتعب آخَرين فظلموهم بترك المعاونة إيَّاهُم وَالْعدْل بِأَمْر بمعونة من يسترفد معونته والتعب لمن يَأْخُذ ثَمَرَة تَعبه. وبهذه المعاونة تتمّ الْمَدِينَة وَيصْلح معاش الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ مدنِي