أَي أَن صَاحبه يلْتَمس من غَيره أَن يذعن لَهُ بِتِلْكَ الْفَضِيلَة ويعرفها لَهُ. فَإِذا لم يعرفهَا تحرّك ضروب الْحَرَكَة المضطربة وَلِهَذَا صدق الْقَائِل: مَا تكبر أحد إِلَّا عَن ذلة يجدهَا فِي نَفسه. وَإِنَّمَا السَّلامَة من هَذَا الْعَارِض هُوَ أَن يلْتَمس الْإِنْسَان الْفَضِيلَة لنَفسِهِ لَا لشَيْء آخر أَكثر من أَن يصير هُوَ بِنَفسِهِ فَاضلا لِأَن يعرف ذَلِك مِنْهُ أَو يكرم لأَجله. فَإِن اتّفق لَهُ أَن يعرف فشيء مَوْضُوع فِي مَوْضِعه وَإِن لم يعرف لَهُ ذَلِك لم يلتسمه من غَيره وَلم يكترث لجهل غَيره بِهِ. وَلأَجل محبَّة الْكَرَامَة تعرض قوم للمتالف وَعرض لقوم الصلف ولآخرين الْهَرَب من النَّاس إِلَى غير ذَلِك من المكار. وَالَّذِي يجب على الْعَاقِل هُوَ أَن يلْتَمس الْفَضَائِل فِي نَفسه ليصير بهَا على هَيْئَة كَرِيمَة ممدوحة فِي ذَاته أكْرم أم لم يكرم وَعرف ذَلِك لَهُ أم لم يعرف. وَيجْعَل مِثَاله فِي ذَلِك الصِّحَّة فَإِن الصِّحَّة تطلب لذاتها ويحرص الْمَرْء عَلَيْهَا ليصير صَحِيحا حسب لَا ليعتقد فِيهِ ذَلِك وَلَا ليكرم عَلَيْهَا. وَذَلِكَ إِذا جعلت لَهُ صِحَة النَّفس بِحُصُول الْفَضَائِل لَا يَنْبَغِي أَن يطْلب من النَّاس أَن يكرموه لَهَا وَلَا أَن يعتقدوا فِيهِ ذَلِك. وَمَتى خَالف هَذِه الْوَصِيَّة وَقع فِي ضروب من الجهالات الَّتِي أَحدهَا الْكبر وَالْحَالة الَّتِي وصفت.