الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: هَذَا الرجل الْفَاضِل الَّذِي ذكرته إِذا كَانَ يُوجد لَهُ كَلَام فِي هَذَا الْمَعْنى فَالْأولى بِنَا أَن نستعفيك الْكَلَام فِيهِ. وَإِذا كنت غير معفينا فَالْأولى أَن نكتفي بِالْإِيمَاءِ إِلَى الْمَعْنى دون الإطالة فَنَقُول: إِن الْحَرَارَة إِذا كَانَت مادتها لَطِيفَة مواتية فِي الرُّطُوبَة والاستجابة إِلَى الامتداد فَهِيَ تمد الْجِسْم الَّذِي تعلّقت بِهِ إِلَى جِهَتهَا - أَعنِي الْعُلُوّ - مدا مُسْتَقِيمًا. وَإِنَّمَا يعرض الانكباب والميل إِلَى جِهَة الأَرْض لشيئين: إِمَّا لضعف الْحَرَارَة وَإِمَّا لقلَّة استجابة الْمَادَّة الَّتِي تعلّقت بهَا. وَأَنت تتبين ذَلِك وتتأمله فِي الْأَشْجَار الَّتِي بَعْضهَا ينشعب بشعب مر جحنة نَحْو الأَرْض. وَبَعضهَا ممتدة على جِهَة الاسْتقَامَة إِلَى فَوق. وَبَعضهَا مركبة الْحَرَكَة بِحَسب مقاومة الْمَادَّة لِأَن حَرَكَة الشَّيْء الْمركب وَمَا كَانَ من الشّجر والنبات ممتداً على وَجه الأَرْض غير منتصب فَهُوَ لِكَثْرَة الْأَجْزَاء الأرضية فِيهِ ولضعف الْحَرَارَة وَمَا كَانَ الشّجر منتصباً وَقد تشعبت مِنْهُ نَحْو الأَرْض ويميناً وَشمَالًا فَلِأَن حَرَكَة النَّار وَالْأَرْض قد تركبتا فَحدث مِنْهُمَا هَذَا الشكل الْمركب بَين الانتصاب والارجحنان. وَمَا كَانَ الشّجر ممتداً كالقضيب إِلَى فَوق كالسرو وَمَا أشبهه فَلِأَن أجزاءه الأرضية والرطوبة المائية فِيهِ لَطِيفَة والحرارة قَوِيَّة فَلم يمْتَنع من الْحَرَكَة المستقيمة الَّتِي تحركها النَّار. وَإِذا تَأَمَّلت حق التَّأَمُّل هَذِه الْأَمْثِلَة لم يعسر عَلَيْك نقلهَا إِلَى الْحَيَوَان إِن شَاءَ الله.