فَمَتَى ذهب عَنهُ ذَلِك لم يستقم فِي ذوقه وَلم يساعد عَلَيْهِ طبعه. فَأَما من نقص ذوقه فِي الْعرُوض فَإِنَّمَا ذَلِك للغلط الَّذِي يَقع لَهُ فِي بعض الزحافات الَّتِي يجيزها الْعرُوض وَله مَذْهَب عِنْد الْعَرَب فَيَقَع لصَاحب الذَّوْق الَّذِي لَا يعرف تِلْكَ النغمة الَّتِي تقوم بذلك الزحاف - أَنه جَائِز فِي كل مَوضِع فيغلط من هَهُنَا ويتهم أَيْضا طبعه حَتَّى يظنّ أَن المنكسر من الشّعْر أَيْضا هُوَ فِي معنى المزاحف وَأَنه كَمَا لم يمْتَنع المزحوف من الْجَوَاز كَذَلِك لَا وَهَذَا غلط قد عرف وَجهه وَمذهب صَاحبه فِيهِ. وَأما وَاضع الْعرُوض فقد كَانَ ذَا علم بِالْوَزْنِ وَصَاحب ذوق وطبع فاستخرج صناعَة من الطباع الجيدة تستمر لمن لَيست لَهُ طبيعة جَيِّدَة فِي الذَّوْق ليتمم بالصناعة تِلْكَ النقيصة. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي صناعَة النَّحْو والخطابة وَمَا يجْرِي مجْراهَا من الصَّنَائِع العلمية. وَلَيْسَ يجْرِي صَاحب الصِّنَاعَة وَإِن كَانَ ماهراً فِي صناعته - مجْرى الطَّبْع الْجيد الْفَائِق.
(مَسْأَلَة مَا معنى قَول بعض القدماء الْعَالم أطول عمرا من الْجَاهِل بِكَثِير)
وَإِن كَانَ أقصر عمرا عَنهُ. مَا هَذِه الْإِشَارَة والدفنية فَإِن ظَاهرهَا مناقضة. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: قد تبين من مبَاحث الفلسفة أَن الْحَيَاة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا حَيَاة بدنية وَهِي البهيمية الَّتِي تشاركنا فِيهَا الْحَيَوَانَات كلهَا.