(مَسْأَلَة لم إِذا كَانَ الْإِنْسَان بَعيدا عَن وَطنه ومسقط رَأسه وملهى عَنهُ)
ومضطجع جنبه ومطرب نَفسه ومعدن أنسه - يكون أخمد شوقاً وَأَقل قلقاً وأطفأ نائرة وأسلى نفسا وألهى فؤاداً حَتَّى إِذا دنت الديار من الديار وقوى الطمع فِي الْجوَار نفد الصَّبْر وَذهب الْقَرار وَحَتَّى قَالَ الشَّاعِر
وَأعظم مَا يكون الشوق يَوْمًا إِذا دنت الديار من الديار. وَهل هَذَا معنى يعم أَو يخص وَمَا علته وَهل لَهُ عِلّة. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الْأَشْيَاء الطبيعية أَيْضا مُسْتَمر فِيهَا وَذَاكَ أَنَّك لَو أرْسلت حجرا من مَوضِع عَال مركزه لَكَانَ يبتدىء بحركته وَكلما قرب من مركزه احتدت الْحَرَكَة وَصَارَت أسْرع إِلَى أَن تصير عِنْد قربه من الأَرْض على أحد مَا تكون وأسرعه. وَكلما كَانَ الْموضع الَّذِي يُرْسل مِنْهُ الْحجر أَعلَى كَانَ هَذَا الْمَعْنى فِيهِ أبين وَأظْهر. وَكَذَلِكَ حكم النَّار والعناصر الْبَاقِيَة إِذا أرْسلت من غير أمكنتها الْخَاصَّة بهَا فَإِنَّهَا كلما قربت من مراكزها اشتدت حركتها ونزاعها. وَمثل هَذِه الْمَوَاضِع لَا يسْأَل عَنْهَا بلم لِأَنَّهَا أَوَائِل طبيعية وغايتنا فِيهَا أَن نعرفها ونعلم أَنَّهَا كَذَلِك وَكَذَلِكَ حَال النَّفس فِي أَنَّهَا إِذا كَانَت بعيدَة من مألفها كَانَ نزاعها أيسر فَكلما دنت مِنْهُ اشْتَدَّ نزاعها وحركتها الَّتِي تسمى شوقاً. وَإِنَّمَا