كَانَ على شَرَائِط الْأَخْلَاق. أَعنِي إِذا وضع فِي خَاص مَوْضِعه وَلم يتَجَاوَز بِهِ الْمِقْدَار الَّذِي يجب وَلم ينقص عَنهُ على مِثَال مَا ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى من سَائِر الْأَخْلَاق كالغضب والشهوة. فَإِن هَذِه أَخْلَاق طبيعية وَإِنَّمَا يحمد مِنْهَا مَا لم يخرج عَن الِاعْتِدَال أَو أُصِيب بِهِ مَوْضِعه الْخَاص بِهِ. وَحَقِيقَة الْغيرَة هِيَ منع الْحَرِيم وحماية الْحَوْزَة لأجل حفظ النَّسْل وَالنّسب فَكل من كَانَت غيرته لأجل ذَلِك ثمَّ لم يتَجَاوَز مَا يَنْبَغِي حَتَّى يحكم بالتهمة الْبَاطِلَة فَيصدق بالظنون الكاذبة ويبادر إِلَى الْعقُوبَة على ذَلِك وَلم ينقص عَمَّا يَنْبَغِي حَتَّى يتغافل عَن الدَّلَائِل الْوَاضِحَة وَيتْرك الامتعاض من الرُّؤْيَة وَالسَّمَاع إِذا كَانَ حَقًا وَكَانَ معتدل الْخلق بَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ يغْضب كَمَا يَنْبَغِي وعَلى مَا يَنْبَغِي - فَهُوَ مَحْمُود غير ملوم. فَأَما من فرط أَو أفرط فِي الْغيرَة فسبيله سَبِيل من تجَاوز الِاعْتِدَال فِي سَائِر الْأَخْلَاق إِلَى الزِّيَادَة أَو النُّقْصَان. فقد بَينا إِن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي كل خلق يهجم بِصَاحِبِهِ على ضروب من الشَّرّ وأنواع من البلايا والمكاره وَيكون هَلَاكه على مِقْدَار زِيَادَته أَو نقصانه مِنْهَا وَمن شرائطها الْمَذْكُورَة فِي الْأَخْلَاق. فَأَما زِيَادَة حَظّ الْأُنْثَى على الذّكر من الْغيرَة أَو الذّكر على الْأُنْثَى فَلَيْسَ بِلَازِم طَريقَة وَاحِدَة وَلَا جَار على وتيرة وَاحِدَة. بل رُبمَا زَاد ذكر على أنثاه فِي هَذَا الْمَعْنى وَرُبمَا زَادَت أُنْثَى على ذكرهَا فِيهِ كَمَا يعرض لَهما ذَلِك فِي قُوَّة الْغَضَب وَغَيره من الْأَخْلَاق. على أَن الذّكر أولى بالمحاماة وأخص بِهَذَا الْخلق لِأَنَّهُ تسْتَعْمل فِيهِ قُوَّة الْغَضَب والشجاعة وَهَذَا أولى بِالذكر مِنْهُ بِالْأُنْثَى وَإِن كَانَت الْأُنْثَى تشارك فِيهِ الذّكر.