المخلصين وناصر المطيعين ومغيث المستصرخين. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: مر لنا فِي عرض كلامنا على هَذِه الْمسَائِل مَا يُنَبه على جَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة. وَلكنه لَا بُد من إِعَادَته شَيْء مِنْهُ يزِيد فِي كشف الشُّبْهَة وَإِزَالَة الشَّك. وَهُوَ أَن الْعلم كَمَال الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ إِنْسَان لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَار إنْسَانا بصورته الَّتِي ميزته عَن غَيره. أَعنِي النَّبَات والجماد والبهائم. وَهَذِه الصُّورَة الَّتِي ميزته لَيست فِي تخاطيطه وشكله ولونه. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول: فلَان أَكثر إنسانية من فلَان فَلَا تَعْنِي بِهِ أَنه أتم صُورَة بدن لَا أكمل يَفِ الْخلق التخطيطي وَلَا فِي اللَّوْن وَلَا فِي شَيْء آخر غير قوته الناطقة الَّتِي يُمَيّز بهَا بَين الْخَيْر وَالشَّر فِي الْأُمُور وَبَين الْحسن والقبيح فِي الْأَفْعَال وَبَين الْحق وَالْبَاطِل فِي الاعتقادات وَلذَلِك قيل فِي حد الْإِنْسَان: إِنَّه حَيّ نَاطِق مائت. فميز بالنطق أَعنِي بالتمييز وَبَينه وَبَين غَيره دون تخطيطه وشكله وَسَائِر أغراضه ولواحقه. وَإِذا كَانَ هَذَا الْمَعْنى من الْإِنْسَان هُوَ مَا صَار بِهِ إنْسَانا فَكلما كثرت إنسانيته كَانَ أفضل فِي نَوعه. كَمَا أَن كل مَوْجُود فِي الْعَالم إِذا كَأَن فعله الصَّادِر عَنهُ بِحَسب صورته الَّتِي تخصه فَإِنَّهُ إِذا كَانَ فعله أَجود كَانَ أفضل وأشرف. مثل ذَلِك الْفرس والبازي من الْحَيَوَان والقلم والفأس من الْآلَات فَإِن كل وَاحِد من هَذِه إِذا صدر عَنهُ فعله الْخَاص بصورته كَامِلا