أَن الْقَصْد بِهِ وَالْغَرَض فِيهِ هُوَ مَا صدر عَنهُ وَتمّ بِهِ كحقائق الْعُلُوم والمعارف وإجالة الروية وإعمال الفكرة فِيهَا ليصل بذلك إِلَى مرتبَة هِيَ أجل من مرتبَة الْبَهَائِم وَسَائِر الموجودات فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد كَمَا أَنه فِي نَفسه وبحسب صورته أفضل مِنْهَا كلهَا. وَهَذِه الْمرتبَة لَا يصل إِلَيْهَا بِغَيْر الروبة وَبِغير الإختيار الخاصيين بِالْعقلِ. وَلَا يجوز أَن يُقَال فِي مُعَارضَة مَا قُلْنَاهُ: إِن هَذِه الروية وَهَذَا الِاخْتِيَار إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يَكُونَا فِي اللَّذَّات لأَنا قد بَينا فِي هَذَا الْموضع وَفِي مَوَاضِع أخر كَثِيرَة أَن تِلْكَ الْمَوْجُودَة للحيوانات الخسيسة أَو فر وَأكْثر بِغَيْر روية وَلَا عقل وَإِنَّمَا تشرف الروية وتتبين ثَمَرَة الْعقل إِذا اسْتعْمل فِي أفضل الموجودات. وَأفضل الموجودات مَا كَانَ دَائِم الْبَقَاء داثر وَلَا متبدل وَغير مُحْتَاج وَلَا فَقير إِلَى شَيْء خَارج عَنهُ بل هُوَ الْغَنِيّ بِذَاتِهِ الَّذِي بجوده على جَمِيع الموجودات ونزلها منازلها بِقدر مراتبها وعَلى قدر قبُولهَا وبحسب استحقاقاتها. فالروية والفكرة وَالِاخْتِيَار إِنَّمَا تكمل بهَا صور الإنسانية إِذا اسْتعْملت فِي الْأُمُور الإلهية ليرتقي بهَا إِلَى منَازِل شريفة لَا يُمكن النُّطْق بهَا وَلَا إِشَارَة إِلَيْهَا إِلَّا لمن وصل إِلَيْهَا وَعرف إِلَى مَا يشار وَعلم لأي شَيْء عرض الْإِنْسَان من الْخيرَات ثمَّ هُوَ يطْلب الإنتكاس فِي الْخلق وَالرُّجُوع إِلَى مرتبَة الْبَهَائِم وَمن هُوَ فِي عدادها مِمَّن خسر نَفسه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: [اي] {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [\ اي] فَهَذَا - لعمري - هُوَ الخسران الْمُبين الَّذِي يتَعَوَّذ بِاللَّه مِنْهُ دَائِما. وَلَقَد أعجبني قَول امرىء الْقَيْس مَعَ لوثة أعرابيته وعجمية ملكه وشبابه وذهابه فِي طرق الشّعْر الَّتِي كَانَ متصنعاً بِهِ وهائماً فِي واديه منغمساً فِي مَعَانِيه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015