الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: الْجزع والأسف من عوارض النَّفس وَهِي تجْرِي مجْرى سَائِر الْعَوَارِض الْأُخَر كالغضب والشهوة والغيرة وَالرَّحْمَة وَالْقَسْوَة وَسَائِر الْأَخْلَاق الَّتِي يحمد الْإِنْسَان فِيهَا إِذا عرضت لَهُ كَمَا يَنْبَغِي وبسائر الشُّرُوط الَّتِي أحصيناها مرَارًا كَثِيرَة ويذم بهَا إِذا عرضت بِخِلَاف تِلْكَ الشَّرَائِط. وَإِنَّمَا تهذب النَّفس بالأخلاق لتَكون هَذِه الْعَوَارِض الَّتِي تعرض لَهُ فِي موَاضعهَا على مَا يَنْبَغِي فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي فالحزن الَّذِي يعرض كَمَا يَنْبَغِي هُوَ مَا كَانَ فِي مُصِيبَة لحقت الْإِنْسَان لذنب اجترحه أَو لعمل فرط فِيهِ أَو كَانَ لَهُ فِيهِ سَبَب اخْتِيَاري أَو لسوء اتِّفَاق خصّه دون غَيره وَهُوَ يجهل سَببه فَإِن هَذَا الْحزن وَإِن كَانَ دون الأول فالإنسان مَعْذُور بِهِ. فَأَما مَا كَانَ ضَرُورِيًّا أَو وَاجِبا فَلَيْسَ يحزن لَهُ عَاقل لِأَن غرُوب الشَّمْس مثلا لما كَانَ ضَرُورِيًّا لم يحزن لَهُ أحد وَإِن كَانَ عائقاً عَن مَنَافِع كَثِيرَة وضارا بِكُل أحد وَمنع النّظر وَالتَّصَرُّف فِي مَنَافِع الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ هجوم الشتَاء وَالْبرد وورود الصَّيف بِالْحرِّ لَا يحزن لَهُ عَاقل بل يستعد لَهُ وَيَأْخُذ أهبته. وَأما الْمَوْت الطبيعي فَلَيْسَ يحزن لَهُ أحد لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ وَإِنَّمَا يجزع الْإِنْسَان مِنْهُ إِذا ورد فِي غير الْوَقْت الَّذِي كَانَ ينتظره أَو بِغَيْر الْحَالة المحتسبة وَلذَلِك يجزع الْوَالِد على موت وَلَده لِأَن الَّذِي احتسبه أَن يَمُوت هُوَ قبله. فَأَما الْوَلَد فيقل جزعه على وَالِده لِأَن الْأَمر كَمَا كَانَ فِي حسابه إِلَّا أَنه تقدم مثلا بِزَمَان يسير أَو كَمَا يَنْبَغِي. فَأَما مَا يعرض للْمُسَافِر ولراكب