فَهُوَ بالناطقة مِنْهَا يَتَحَرَّك نَحْو الشَّهَوَات الَّتِي يتَنَاوَل بهَا اللَّذَّات الْبَدَنِيَّة كلهَا. وبالغضبية مِنْهَا يَتَحَرَّك إِلَى طلب الرئاسات ويشتاق إِلَى أَنْوَاع الكرامات وَتعرض لَهُ الحمية والأنفة ويلتمس الْعِزّ والمراتب الجليلة الْعَالِيَة وَيظْهر أَثَرهَا من الْقلب. وَإِنَّمَا تقوى فِيهِ وَاحِدَة من هَذِه القوى بِحَسب مزاج قُوَّة هَذِه الْأَعْضَاء الَّتِي تسمى الرئيسية فِي الْبدن. فَرُبمَا خرج عَن الِاعْتِدَال فِيهَا إِلَى جَانب الزِّيَادَة والإفراط أَو إِلَى نَاحيَة النُّقْصَان والتفريط فَيجب عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَن يعد لَهَا ويردها إِلَى الْوسط - أَعنِي الِاعْتِدَال الْمَوْضُوع لَهُ - وَلَا يسترسل لَهَا بترك التَّقْوِيم والتأديب فَإِن هَذِه القوى تهيج لما ذَكرْنَاهُ. فَإِن تركت وسومها وَترك صَاحبهَا إصلاحها وعلاجها بالأعقال وَاتِّبَاع الطبيعة - تفاقم أمرهَا وغلبت حَتَّى تجمح إِلَى حَيْثُ لَا يطْمع فِي علاجها ويؤيس من برئها. وَإِنَّمَا يملك أمرهَا وتأديبها فِي مبدأ الْأَمر بِالنَّفسِ الَّتِي هِيَ رئيسة عَلَيْهَا كلهَا - أَعنِي المميزة الْعَاقِلَة الَّتِي تسمى الْقُوَّة الإلهية - فَإِن هَذِه الْقُوَّة يَنْبَغِي أَن تستولي وَتَكون لَهَا الرِّئَاسَة على الْبَاقِيَة. فمحبة الْإِنْسَان للرئاسة أَمر طبيعي لَهُ وَلَكِن يجب أَن تكون مقومة لتَكون فِي موضعهَا وكما يَنْبَغِي. فَإِن زَادَت أَو نقصت فِي إِنْسَان لأجل مزاج أَو عَادَة سَيِّئَة وَجب عَلَيْهِ أَن يعد لَهَا بالتأديب ليتحرك كَمَا يَنْبَغِي وعَلى مَا يَنْبَغِي وَفِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي. وَقد مضى من ذكر هَذِه القوى وآثارها فِي مَوْضِعه مَا يجب أَن يقْتَصر بهَا هُنَا على هَذَا الْمِقْدَار. ونقول: إِنَّه كَمَا يعرض لبَعض النَّاس ان يلقى الأسنة بنحره ويركب أهوال الْبر وَالْبَحْر لنيل الشَّهَوَات بِحَسب حَرَكَة قُوَّة النَّفس البهيمية فِيهِ وَتَركه قمعها.