(مَسْأَلَة لم ذمّ الْإِنْسَان مَا لم ينله وهجن مَا لم يحزه)
وعَلى ذَلِك عادى النَّاس مَا جهلوا حَتَّى صَار هَذَا من الحكم الْيَتِيمَة: وَقد عادى النَّاس مَا جهلوا كَمَا قيل فَلم عادوه وَلم لم يحبوه ويطلبوه ويفقهوه حَتَّى تَزُول الْعَدَاوَة وَيحصل الشّرف ويكمل الْجمال ويحق القَوْل بالثناء وَيصدق الْخَبَر عَن الْحق. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: هَذَا من قَبِيح مَا يعترى النَّاس من الْأَخْلَاق وَهُوَ جَار مجْرى الْحَسَد وذاهب فِي طَرِيقه. وَصَاحب الْمثل الَّذِي يَقُول: الْمَرْء عَدو مَا جهل إِنَّمَا أخرجه مخرج الذَّم وَالْعَيْب كَمَا قيل: النَّاس شَجَرَة بغي وحسد. وَالسَّبَب فِي محبَّة النَّفس أَولا ثمَّ الْغَلَط فِي تَحْصِيل مَا يزينها. وَذَلِكَ أَنه إِذا أحب الْإِنْسَان نَفسه أحب صورتهَا وَالْعلم صُورَة النَّفس ويعرض من محبَّة صُورَة نَفسه أَن يبغض مَا لَيْسَ لَهُ بِصُورَة فَمَتَى حصل لَهُ علم أحبه وَإِذا لم يحصل لَهُ أبغضه. وَيذْهب عَلَيْهِ التمَاس مَا جَهله بالمطلب - وَإِن كَانَ فِيهِ مشقة - أولى بِهِ ليصير - أَيْضا - صُورَة أُخْرَى لَهُ جميلَة. وَلَعَلَّ الْمَانِع لَهُ من ذَلِك كَرَاهَة التذلل لمن يتَعَلَّم مِنْهُ بعد حُصُول الْعِزّ لَهُ فِي نوع آخر وَبَين طَائِفَة أُخْرَى. فَأَما قَوْلك فَلم لم يحبوه حَتَّى يطلبوه ويفقهوه فَهُوَ الْوَاجِب الَّذِي يَنْبَغِي أَن يفعل وَعَلِيهِ حض صَاحب الْمثل بالتنبيه على الْعَيْب ليتجنب بإتيان الْفَضِيلَة. وَسمعت بعض أهل الْعلم يَحْكِي عَن قَاض جليل الْمحل عالى الْمرتبَة أَنه هم بتَعَلُّم الهندسة على كبر السن. قَالَ: فَقلت لَهُ: مَا الَّذِي يحملك على ذَلِك وَهُوَ يقْدَح فِي مرتبتك وَيُطلق ألسن السُّفَهَاء عَلَيْك وَأَنت لَا تصل إِلَى كَبِير حَظّ مِنْهُ مَعَ علو السن،