السّمع لَا يشبه وَاحِد الآخر فَيُقَال لبعضها: حاد ولبعضها: حُلْو ولبعضها: جهير ولبعضها: لين. وكل وَاحِد من هَذِه الْأَصْوَات لَهُ أثر فِي النَّفس وموقع مِنْهَا ومشاكلة لَهَا. وَلَيْسَ للسَّائِل أَن يكلفنا بِحَسب هَذَا الْبَحْث الَّذِي نَحن فِيهِ أَن نتكلم فِي سَبَب قبُول النَّفس بعض الْأَصْوَات أَكثر من بعض لِأَن هَذَا النّظر والبحث يتَعَلَّق بصناعة الموسيقى ومبانيها وَمَعْرِفَة أقدار النغم الْمُخْتَلفَة بِالنّسَبِ الَّتِي هِيَ نِسْبَة الْمُسَاوَاة وَنسبَة الضعْف وَنسبَة الضعْف وَالنّصف وأشباهها. وَهَذِه النّسَب بَعْضهَا أقرب إِلَى قبُول النَّفس من بعض حَتَّى قَالَ بعض الْأَوَائِل: إِن النَّفس مركبة من عدد تأليفي. فَلَمَّا كَانَت قَصَبَة الرئة كقصبة المزمار وتقطيع الْحُرُوف فِيهَا كخرق الصَّوْت بالمزمار فِي مَوضِع بعد مَوضِع وَكَانَت الْأَصْوَات فِي المزمار مُخْتَلفَة الْقبُول عِنْد النَّفس - كَانَت الْحُرُوف كَذَلِك أَيْضا لَا فرق بَينهَا وَبَينهَا بِوَجْه وَلَا سَبَب. فقد بَان أَن الْحُرُوف أَنْفسهَا مُفْردَة لَهَا مواقع من النَّفس مُخْتَلفَة فبعضها أوقع عِنْدهَا من بعض. وَإِذا كَانَت بِهَذِهِ الصّفة وَهِي مُفْرَدَات وبسائط كَانَ تركيبها أَيْضا مُخْتَلفا فِي قبُول النَّفس سوى أَن للتركيب والتأليف تعلقاً بالصناعة كَمَا ضربنا بِهِ الْمثل فِي نظم الخرز ونظم الْأَصْوَات فِي الموسيقى لِأَن الموسيقار لَيْسَ يعْمل أَكثر من تأليف هَذِه الْأَصْوَات بَعْضهَا إِلَى بعض على النّسَب الْمُوَافقَة للنَّفس.